الثقافية والفنيةالرئيسية

زمجرة

زمجرة

عفاف البعداني…

الحمد لله الذي وهبني قلباً لم تدنسه أدران الضغائن، ولم تعبث به دسائس الحقد، الحمد لله على نفسي الرضية، استغنت باليسير فرأت فيه كمال الوجود، واكتشفت في القليل غنى لا ينضب، الحمد لله على كينونة لا تبتغي من عملها شهادة الخلق، ولا تلتفت لرضاهم ولو كان قريبا حد طاعة الوجوب. يتساوى عندي عظيم الفعل ويسيره، شاقه وهينه؛ ففي إنقاذ نملةمن غرق في فنجان الصباح، أجد ذاتي مجتهدة لتنجو ، لأن عيني لا ترى إلا وجه الحق، ولا تبالي بقول أحد، ولاتخاف أن تفقد أحد، في الصمت أجد ملاذي، لأحيا وفق إرادتي الباطنة، لا وفق ضجيج الخارج…..المطلي بالزهايمر.

الحمد لله على ذاتي الصبورة، لم تضعفها المحن، ولم تكن في موضع  لا يليق بها، حتى في لحظة الجوع، حين أكل القط وجبتي الوحيدة، لم يجد الغضب فيّ مستقره، لم أصرخ ولم أتبعه بحذاء أمي الغاضب،  بل أدركت أن إزعاجي كان عارضا، وأن جوعه كان الحقيقة فقط. الحمد لله أنني مختلفة، أحتفي بهذا التمايز وأغرق فيه، ليس غرورا، بل هو سكون وطمأنينة، إذ لم تكن صفات الآخرين كافية لتدفعني إلى تهور أو انحراف عن مسار الهدوء….اندفاعاتهم، هرجهم، تكلفهم، لاتغريني، بل أتقزز منها حد القرف.

لم أُحب الناس بالقدر الذي يدفعني إلى الاندماج الكلي، ولم أسرف في الحديث معهم لأوهمهم أنني أعيش أدوار حياتهم، بينما كنت مجرد مراقبة من بعيد. أنا فقط أنا، أنا… لست انطوائية، لكنني سئمت من كل ما هو غير حقيقي. سئمت مشاهدة البشر يرتدون أثوابا كثيرة، ألا يتعبون من كرنفال الأقنعة هذه؟ كرهت الظهور لأنه ينسج خيوطه بأيادٍ زائفة،  لا ترى إلا مجد ذاتها. أرمقهم بابتسامة، ابتسامة يقين وعجب، لا شماتة. أرى حبالا كثيرة تربطهم، قيودا خفية تكبلهم، مهما ظنوا أنهم بلغوا القمة، فهم أرضيون. إنها حكمة الوجود الأزلية: من استوطن هم الدنيا فؤاده، لم يذق طعم السكينة ولو للحظة.

الحمد لله لأنني أنا…الحمدلله لأنني أفلت يدي من كل شيء يحبه العالم، الحمد لله لأنني لم أكن يوماً أي شخصٍ آخر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار