مأزق السيادة المُعلنة.. حكم العراق بين التوافق القسري وتواطؤ الشركاء
بقلم/عدنان صگر الخليفه
تُعد التصريحات الأخيرة التي تناولت “الصداقة” و”الشراكة” بين القيادات العراقية والقوى الدولية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مؤشراً صارخاً يكشف حقيقة النظام السياسي المُقام في بغداد. فالأزمة ليست مُرتهنة لأداء الأشخاص أو جودة البرامج، بل هي أزمة نظام بنيوي أضحى يُمثّل غطاءً شفافاً لآلية حكم أفرغت الديمقراطية من محتواها. إن جوهر المشكلة يتمثل في أن المناصب السيادية العليا في البلاد تحوّلت إلى وظيفة إدارية لإدارة غرف التسويات والتوافقات الفصائلية، لا إلى ممارسة للإرادة الوطنية الحرة. لقد استقرت قاعدة الحكم في العراق على أن تولي المناصب الرئاسية، من رئاسة الوزراء إلى البرلمان، يقتضي استيفاء شرطين لا فكاك منهما: أولهما هو الإذعان الكامل للتوافق الداخلي بين الكتل والأحزاب النافذة التي تتقاسم النفوذ، وثانيهما هو المقبولية الخارجية المزدوجة من قبل القوتين الأكثر تأثيراً، وهما الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية.
هذه المقبولية المزدوجة، التي يحرص عليها القادة، ليست نتاجاً لشراكة استراتيجية متكافئة، بل هي ثمن بقاء يُدفع ضماناً للاستقرار المالي والأمني للنظام ككل. رئيس الوزراء، في هذا الإطار، ليس سوى مدير لهذا التوازن القسري؛ إذ يُوظف التصريحات الدبلوماسية، كالإشارة إلى صداقة مع شخصيات مثل دونالد ترامب (رئيس الولايات المتحدة الحالي والفائز بانتخابات عام 2024)، كـ عملة سياسية تضمن استمرار الدعم الأمريكي والحد من الضغوط المالية، بالتوازي مع تأمين الغطاء السياسي الداخلي من محور طهران. إن هذا السلوك يرسخ الإدراك العام بأن هذه القيادات ليست ممثلة للشعب، بل هي أداة لإدارة مصالح الفصائل والمحورين الخارجيين. ولذلك، فإن أي دعوة للبراغماتية أو “الصداقة” من قبل كتّاب لهم صلات بالسلطة، إنما هي محاولة لتبرير خيارات التبعية وتقديمها للرأي العام في قالب “الحاجة العقلانية”، في محاولة لصرف النظر عن الإخفاقات البنيوية وفساد المشروع برمته.
الأمر الذي يقودنا إلى الاستنتاج الحتمي بأن إرادة الشارع العراقي والأصوات المنتخبة قد جُرِّدت من قوتها، وباتت مجرد غطاء شكلي يمنح الشرعية لعملية تقاسم النفوذ. فالخطاب السياسي والإعلامي، رغم تظاهره بالسيادة، يغفل عن حقيقة أن تعامل الداخل والخارج مع القيادات يتم على أساس أنها “مدراء للمنصب”، مهمتهم الأساسية هي خدمة المصالح المتقاطعة للكتل المتحكمة والدول المهيمنة، وليس الحفاظ على مصالح العراق العليا. إن هذا الواقع يؤكد أن العراق ما زال يدار بموجب قواعد التابع والمتبوع، وأن السيادة المعلنة هي مجرد شكل يغطي على جوهر التبعية الذي يحكم القرار السياسي في بغداد.
زر الذهاب إلى الأعلى