صورة العرب في الوعي المعاصر …طمس و تسقيط متعمد (3-5)
بقلم: د.رعدهادي جبارة
الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
🔗خصوصية المفردة القرآنية(52)
🔹يتعمد العدو تلقين الجيل الجديد أن العرب أعداء الإسلام وخونة و جبناء وأغبياء ونهمون و شهوانيون؟
📖{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }﴿فصلت:3﴾
📖{وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}﴿الشورى:7﴾
📖{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} ﴿الشعراء:195﴾
📌مقدمة:
رغم أن العرب هم الأمة التي حملت الرسالة المحمدية إلى العالم، و دفعت أثماناً باهظة وقدمت ضحايا وشهداء كثيرين في سبيلها؛ يصرّ بعض الموتورين والناقمين والحاقدين في الكتابات و الخطابات المعاصرة على تصويرهم على أنهم العدو الأول للنبي (وآلـﷺـه)،ويتهمونهم بأقذع الصفات والمزاعم.
هذه الصورة المتطرفة لا تستند إلى قراءة دقيقة للقرآن ولا للسيرة، بل إلى اجتزاء أو توظيف انتقائي للأحداث.
هذا المقال محاولة سريعة لمعالجة الجذور التي صنعت هذه الصورة المشوهة، و تقديم قراءة موضوعية لدور العرب في نصرة الرسالة المحمدية و نشرها.
📌أولاً: لماذا يزعمون إن العرب حاربوا النبي ص حتى مات؟
السبب بسيط:
في بداية الدعوة واجه النبي مقاومة من بعض وجهاء قريش خوفاً على نفوذهم الاقتصادي والاجتماعي وعلى تجارتهم وحرياتهم في شرب الخمر وو.. وكانوا يخشون من فقدان نفوذهم الاجتماعي وزعاماتهم القبلية وهؤلاء لم يكونوا كل المجتمع العربي آنذاك..
و هذا لا يعني أن العرب كأمة كانوا معادين؛ بل كانت المعارضة من طبقة محدودة من النخبة القبلية المتغطرسة، لا من عامة أمة العرب.
وشاهدنا أنه مع مرور السنوات:
🔹دخل الأوس والخزرج في الإسلام.
🔹أسلمت معظم قبائل الجزيرة العربية طوعاً.
🔹ساند العرب النبي (وآلـﷺـه) في بدر وأحد والأحزاب والحديبية والفتح ،بالنفس والنفيس،وأمدوه بالمال والاولاد،وغزوات النبي ال83 كل قادتها و جنودها كانوا عربا إلا واحدا او اثنين من غير العرب.
إذن الحرب لم تكن بين “أمة عربية” و”جماعة إسلاميةغير عربية”، بل كانت بين جزء من قبيلة قريش العربية المتنفذة وبين جزء آخر من قريش العربية الذي يؤمن بالدعوة الإسلامية وكلاهما عرب.
🔹ولايخفى أن من نصروا النبي وساندوه وقاتلوا معه كان على رأسهم الإمام علي ع [وهو قائد عربي قرشي هاشمي]ومعه جعفر بن أبي طالب ذوالجناحين و حمزة بن عبد المطلب وعمار بن ياسر،وأبو ذر الغفاري،والمقداد بن الاسود الكندي،وأبو عبيدة بن الجراح،وعبد الله بن عباس،ومعاذ بن جبل،وسعد بن معاذ، وجابر بن عبدالله الانصاري،وزيد بن ثابت،وزيد بن حارثة، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن الأرقم،وانس بن مالك،وأبو سعيد الخدري،وحسان بن ثابت،وحذيفةبن اليمان،وأبو الدرداء، وأبو أيوب الانصاري ومئات الصحابةالعرب الآخرين،وكان معهم ثلاثة نفر من غير العرب هم بلال بن رباح و سلمان وصهيب الرومي.
ولكننا نرى الآن من يتجاهل ويتغاضى عن المئات ويعظّم دور الثلاثة (الأجلاء طبعا)ويبالغ فيهم، ويعتبر كل من سواهم خصوماً للإسلام وأعداء للنبي (وآلـﷺـه)!!!!وهو زعم كاذب وادعاء خاطئ ولا يصدر إلا من لئيم مسموم شعوبي متعصب.
📌الروايات:
والنبي ص كان يقول:
🔹[لافضل لعربي على أعجمي
ولا لأعجمي على عربي
إلا بالتقوى]
لكن نرى ثمة من يؤمن بالجزء الأول من الرواية ويؤكد عليه، ولكنه يتجاهل الجزء الثاني من الحديث ويتصرف بالعكس من فحواه.
🔹وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن سلمان قال قال لي رسول الله (وآلـﷺـه): يا سلمان؛ لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله! قال: تبغض العرب فتبغضني
[ الراوي : سلمان الفارسي | المحدث : الألباني | المصدر : هداية الرواة الرقم : 5944
التخريج : أخرجه الترمذي (3927)، وأحمد (23731)، والبزار (2513) واللفظ لهم جميعا].
🔹وأخرج الحاكم والطبراني عن أنس بن مالك ره قال : قال رسول الله (وآلـﷺـه):
حب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني.[انظر:الموسوعةالحديثيةوأيضامحجة القرب الصفحة أو الرقم : 83 وكذلك الطبراني في (المعجم الأوسط -2537)
🔹ثانياً: القرآن نفسه يثبت أن العرب آمنوا ونصروا النبي الاكرم،(وآلـﷺـه )وهم المهاجرون والانصار.
ومن الخطأ تجاهل عشرات الآيات التي مدحت العرب المؤمنين، مثل:
🔹{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار…}
🔹{كنتم خير أمة أخرجت للناس}
🔹{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
فمن كان هؤلاء؟
هل كانوا هنوداً ام أتراكا ام أكراد ام أفغاناً و فرسًاً؟؟
إن هؤلاء هم العرب الذين حملوا الإسلام فعلاً، ودافعوا عنه، وضحّوا بأموالهم وأنفسهم وقاتلوا وقتلوا.
فكيف يُعقل أن يمدحهم القرآن مراراً… ويقال اليوم إنهم “حاربوا الرسول”؟
هذا تناقض لا يقوم على أساس علمي.
📌ثالثاً: العرب هم الذين حملوا رايةالدعوة و نشروا الإسلام خارج الجزيرة من حدود الصين حتى تخوم فرنسا
بعد رحيل النبي (وآلـﷺـه)، كان العرب هم الطليعة التي:
🔹نشرت الإسلام في العراق والشام ومصر والمغرب.
🔹فتحت أبواب الدعوة لشعوب الفرس والروم والأمازيغ والنوبيين وغيرهم.
🔹كانوا النموذج الأول الذي رأته الأمم خارج الجزيرة للدين الجديد.
ولا يمكن تفسير هذا التاريخ الضخم بأنه “صدفة”؛ بل هو امتداد طبيعي لإيمانهم الصادق بعد أن دخلوا في الإسلام عن قناعة.
لقد نقل العرب الإسلام إلى الأمم الأخرى، فسارعت تلك الأمم للدخول فيه لما وجدته من توحيدٍ ورحمةٍ وعدالة، فكان ذلك خيراً للبشرية.
بيد أن (كثيرين من الطوائف العنادية جبلوا على بغض العرب، فوقعوا في مهاوى العطب جهلا بما اختصهم الله به من المزايا التي لا يؤتوها غيرهم، والعطايا المحققة لعلوا قدرهم، وعظيم خيرهم، حتى بلغنا عن بعض أولياء الله أنه قال: <جاهدتُ نفسي ستين سنة حتى خرج منها بغض العرب>: راجع كتاب “مبلغ الأرب”: ص1) .
📌رابعاً: كيف ساهم العرب في وضع أسس الحضارة الإسلامية؟
بعد انتشار الإسلام، كان العرب العمود الفقري لبناء الحضارة الأولى:
🔹فوضعوا علوم اللغة التي حفظت القرآن.
🔹وجمعوا القرآن ونقلوا السيرة النبوية وسيرةأهل البيت ع وحفظوهما.
🔹أسسوا المدارس الأولى في الفقه والتفسير والحديث.
🔹أقاموا دولة مستقرة سمحت لغير العرب من الفرس والروم والترك والبربر وغيرهم بالمشاركة في العلم والإدارة و السياسة والتدريس و الفلسفة والفقه و الاصول وافسحوا لهم المجال ولم يقمعوهم، وبعض العلماء غير العرب تتلمذوا في مدارس:البصرةوالكوفةوبغداد ودمشق و القاهرة،ونبغوا.
🔹أهتم العلماء العرب والمسلمون في تطوير الكثير من العلوم الطبيعية كالطب والفيزياء والكيمياء والفلك والهندسة والرياضيات وكانت لهم اكتشافات وإبداعات لم يسبقهم فيها أحد و ابتنيت عليها المدنية الاوربيةوالتقدم العلمي للبشرية جمعاء.
لقد كان العرب جسر الانتقال الذي عبرت منه الشعوب إلى الإسلام، ثم شاركوهم هم أنفسهم في إغناء الحضارة.
📌خامساً: جذور تشويه صورة العرب اليوم
هناك ثلاثة مصادر رئيسية:
🔹-قراءات طائفية للتاريخ
تعمد استخدام أحداث محدودة من صدر الإسلام لتشويه أمة كاملة، دون النظر إلى الصورة الكبرى.
🔹-توظيف سياسي معاصر
تحويل الجدل القومي أو السياسي إلى إسقاطات دينية، وهذا خلط خطير.
🔹-سرديات استشراقية
بعض الدراسات الغربية المبكرة قدّمت صورة “البدوي الهمجي” و ألصقتها بالعرب جميعاً، فتلقفها بعض الكتّاب دون تمحيص ورددوها كالببغاء.
لكن هذه الصور لا تعكس الحقائق التاريخية ولا المنهج القرآني.
فعندما يدعي البعض حب أهل البيت ع أليس هؤلاء عربا؟ وعندما يدعي البعض حرقة قلوبهم على أهل فلسطين وغزة ولبنان، أليس هؤلاء عرباً؟
📌سادساً: الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون
العرب لم يكونوا “أعداء الرسالة”، بل كانوا:
أنصارها وأول من حملها، وأول من دافع عنها، وأول من قاتل وضحى من أجلها، وأول من مهّد الطريق للأمم الأخرى كي تدخل الإسلام وتؤمن بالله كي لا تكون من أهل النار.
والقرآن نفسه تعامل معهم كحاضنة للرسالة، ثم جعل معيار التفاضل التقوى لا النسب، فدخلت الأمم في الإسلام على قدم المساواة.
📌خاتمة
إن تشويه دور العرب في عصر النبوة لا يخدم الحقيقة ولا يخدم الوعي،وطمس صورةالعرب وتشويهها دليل لؤم وخبث لدى الشخص.
ورد في كتاب [مبلغ الأرب]لابن حجر الهيتمي صاحب “الصواعق المحرقة”(أحبوا العرب لثلاث) وفي لفظ آخر:
أحفظوني في العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) وأصح منه أيضا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: (أنا عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) .
والإسلام قام على أكتاف العرب أولاً، ثم حملوه للعالمين فشاركتهم فيه كل الشعوب، حتى أصبح حضارة عالمية حملت التوحيد والعدل والرحمة.
وإذا أردنا خطاباً منصفاً، فعلينا أن نعترف بأن العرب -بإيمانهم وجهادهم ونشرهم للقرآن-كانوا جزءاً أساسياً من الخير الذي عمّ البشرية بفضل الرسالة المحمدية.
🔹يتبع🔹