الرئيسيةالمقالات

أزمة العدالة المالية في العراق – دولة الامتيازات على حساب المواطن

أزمة العدالة المالية في العراق – دولة الامتيازات على حساب المواطن

بقلم/عدنان صگر الخليفه

​تُشير القراءة المتعمقة للمنظومة الاقتصادية والسياسية في العراق إلى اختلال هيكلي مزمن، حيث لا تمثل سياسات التقشف التي تفرضها الحكومات المتعاقبة على خلفية تذبذب أسعار النفط إجراءات ضرورية لمعالجة العجز، بقدر ما هي آلية ممنهجة لنقل عبء الفشل الإداري والمالي إلى كاهل الطبقة الوسطى والفقيرة، وتحديداً الموظفين والمتقاعدين ذوي الدخل الثابت، فبينما يتم تجميد الأجور أو المساس بها دون أي تعويض لاحق، تبقى الامتيازات التشغيلية ورواتب الطبقة السياسية العليا بمنأى عن أي مراجعة أو تخفيض، مما يكرس فجوة طبقية مدمرة، إن اللجوء المتكرر إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية وزيادة سعر صرف الدولار يمثل ضربة قاضية موجهة بوعي كامل إلى القوة الشرائية، معتبراً هذا الإجراء بمثابة ضريبة قسرية على الفقير؛ إذ يتآكل الراتب الثابت بالدينار بشكل كارثي، ويصبح المتقاعد الذي خدم عقوداً عاجزاً عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة كالدواء والعلاج، لتنتهي حياته بالفاقة بعد مسيرة من العطاء، وتتجلى فداحة هذا المشهد في التكاليف الباهظة للطبقة الحاكمة، ففي سابقة تكاد تكون فريدة عالمياً، تتقاضى النخب السياسية رواتب ومخصصات تقاعدية ضخمة لا تتناسب إطلاقاً مع الناتج القومي الإجمالي أو مستوى الخدمات العامة المقدمة، محولة المنصب العام إلى مصدر استنزاف ممنهج للمال العام بدلاً من كونه تكليفاً وطنياً، مما يثير تساؤلات جدية حول شرعية هذه المكاسب غير المشروعة، وتعود جذور استحالة الإصلاح الذاتي إلى حقيقة أن القرار السيادي قد انتقل من يد المؤسسات الدستورية إلى القيادات الحزبية والكتل المتحكمة، التي تعمل على تسخير الدولة كجهاز لضمان استمرارية نفوذها وتمويل مكتسباتها، ولهذا السبب، فإن المطالبة بإلغاء التقاعد الخاص للمناصب العليا، وتخفيض رواتب النواب والمسؤولين بنسبة لا تقل عن خمسة وسبعين بالمائة، لا تعد مطلباً مالياً فحسب، بل هي محاولة أخلاقية لتفكيك منظومة الامتيازات وتجريم التقاعس عن أداء الواجب، كخطوة أولى نحو استعادة الثقة في مفهوم الدولة التي يجب أن تحمي مواطنيها لا أن تعاقبهم، خاصة وأن هذه النخب تضمن استمرار بقائها بفضل ضعف آليات الدفاع الذاتي للمجتمع في الداخل وغطاء التسامح أو التجاهل النسبي من المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار