سراب القيادة والسيادة: لماذا يُهان المواطن العراقي في زمن الانتخابات؟
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
نحن العراقيون نعيشُ تحت وطأة التناقض المرير بين عظمة التاريخ الذي نتغنى به، ومرارة الواقع الذي يُهان فيه مواطننا في كل منفذ حدودي. يَنظُرُ العراقيُ البسيطُ إلى العالم بأسفٍ عميق، مُدركاً أنَّ الاحترام الدولي لا يُوهَبُ لدولةٍ تفتقرُ للقرار الموحّد، ولا يُكتسبُ بالشعارات الجوفاء، بل يُنالُ بـ السيادةِ المكتملةِ والقائدِ المتمكِّنِ. وإذ نباركُ للشعوبِ التي امتلكت زمامَ أمرها وعلتْ مكانتُها، نجدُ أنفسنا أسرى لفوضى القرارِ الداخلي.
هذه الفوضى هي الثمرة السامة لواقع تعدُّدِ المُلّاكِ للقرار؛ فالعراقُ لا يمتلكُ قائداً واحداً مُنفرداً بزمامِ الأمر، بل تتناوبُ على حيازتهِ الأحزابُ والكتلُ المتنفذةُ التي تتعاقبُ على السلطةِ تحت مِظلةِ “التوافق”. وغالباً ما تُبنى القراراتُ على المصالحِ الفئويةِ ومكاسبِ الأطرافِ الخاصة، لا على المصلحةِ الوطنيةِ العُليا للشعبِ المنهك. وهذا ما يُفسِّرُ الاستقبالاتَ الفاترةَ لمسؤولينا في الخارج، التي لا تليقُ بـ “شيخِ عشيرةٍ” فضلاً عن مسؤولِ دولةٍ، إذ يرى العالمُ في المسؤولِ العراقيِّ ممثلاً لقرارٍ مشتتٍ ومُسيَّرٍ.
هذه الإهانةُ الدبلوماسيةُ ليست سوى جزءٍ من المشهد، فالثمنُ الأغلى يدفعهُ العراقيُّ البسيطُ منذُ عقودٍ في المنافذِ الدوليةِ. عندما يسافرُ المواطنُ، يُعامَلُ باستهانةٍ، ويُعرّضُ للتفتيشِ والتعطيلِ، ويُنظَرُ إليهِ على أنهُ بلا قيمة؛ ليسَ لخللٍ فيهِ، بل لأنهُ يحملُ جنسيةَ دولةٍ أضاعَتْ احترامَها لذاتِها. إنَّ هذا الاستخفافَ بكرامةِ المواطنِ هوَ الدليلُ الأقوى على أنَّ الدولةَ لم تستعدْ سيادتَها بعدُ.
وفي خضمِّ هذا الواقعِ المؤلمِ، نطرحُ تساؤلاً جوهرياً وموجهاً بصدقٍ إلى كل المرجعياتِ الدينيةِ والسياسيةِ التي دعتِ الشعبَ للمُضيِّ قُدُماً والمشاركةِ بقوةٍ في الانتخابات:
لقد شاركنا! انتهتِ الانتخاباتُ، وظهرتِ النتائجُ، فمَنْ هوَ قائدُ العراقِ الذي طلبتمْ منا انتخابَهُ؟
إن كانت غايةُ الانتخاباتِ هي إفرازُ قيادةٍ قويةٍ تمثّلُ العراقَ والعراقيينَ وتتحمّلُ مسؤوليةَ القرارِ كاملاً (سياسياً واقتصادياً وأمنياً)، فلمْ نرَ هذهِ القيادةَ بعدُ. بل ما نتجَ هو مزيدٌ من الأحزابِ التي تتناحرُ على “كعكةِ” السلطةِ وتقاسمِ النفوذِ.
إنْ لمْ تُفرِزْ صناديقُ الاقتراعِ قيادةً حقيقيةً ومرجعَ قرارٍ موحّدٍ يستطيعُ أنْ يجعلَ المواطنَ العراقيَّ يُعامَلُ باحترامٍ دوليٍّ، فما الداعي إذاً لكلِّ تلكَ النداءاتِ؟ وهل كانتْ مجردَ وسيلةٍ لتوفيرِ شرعيةٍ لمنْ لا يستحقُّها، وتمكينِ منظومةٍ تُصرُّ على تفتيتِ القرارِ وإهانةِ المواطنِ؟
إنَّ أمنيةَ العراقيِّ البسيطِ ليستْ حكمَ العالم، بلْ أنْ يُحترَمَ في العالم. وهذا الاحترامُ لنْ يتحققَ إلاَّ عندماَ يتولّى الأمرَ “قائدٌ” يحملُ الغيرةَ على نفسهِ وكرامةِ شعبِهِ، يستحيِ من الإهانة، ويستبدلُ ثوبَ التوافقِ الممزقَ بـ ثوبِ السيادةِ الموحدةِ الذي يليقُ بتاريخنا وحاضرنا.
زر الذهاب إلى الأعلى