خطية صار نائب
هادي جلو مرعي
واحدة من الكلمات التي تلازمني كلما رأيت أحدا يحصل على مكسب في الحياة، وهي متصلة بنظرة عطف وخوف وإبتسامة تخفي وراءها صور الرحيل والتخلي لاحقا برغبة، أو بالغصب لأن كل شيء سيزول، ويفنى من وجود البشر وحركتهم في الحياة. وأقول: خطية.. تقابلها في لهجة أهل سوريا (إخطي) وتنطق بالألف المهموزة في أسفلها.
حين يشتري صديق لي سيارة فارهة، وأقف معه جوارها أقول في سري: خطية إشترى سيارة. وعندما يشتري شخص أعرفه بيتا، أو أمر من بيت فاره أقول: خطية هذا باني بيت جديد الله يوفقه، أو هذا خطية إشترى بيتا جديدا.. وحين أرى حسناء تقود سيارة، وقد رفعت صوت المذياع، وهي تسمع أغنية حديثة، وقد سرحت شعرها الأصفر، أو البرغندي، ونفخت شفتيها بطريقة البرطم المحمر: أقول في سري: خطية هاي البنت تضحك لها الدنيا، وسيتغير كل شيء فجأة. وعندما أرى أحدهم يموت أقول: خطية غادر الدنيا، وقد يكون برفقته أطنان من الذنوب والمظالم، وحين أرى أحدهم يعد نقودا كثيرة، وهو في حالة رعب، أو يجمع المال، وهو متباه، ومزهو، وتتملكه نشوة الإنتصار، أقول: خطية هذا يجمع ماليس له، وسيغادر، ويترك ذلك لأولاد ينفقونه بطريقتهم، بينما هو يحاسب عليه، وزوجته ستبكي وتولول، وترتدي السواد، وتحتجب عن الأنظار لمدة، ثم تظهر الى العلن، وستغريها بقية النساء بوضع الثوب الأسود جانبا، والعودة الى الحياة الطبيعية، والذهاب الى صالونات التجميل على قاعدة الحي أبقى من الميت.
وعندما أسمع بصديق، أو بعيد وقد عين في منصب، أقول: خطية فهذا المسكين سيأتيه يوم ويغادر، وسيكون يوم الرحيل عن المنصب أشبه بالموت. ولعل مظاهر واشكال من الحياة تستدعي قول: خطية..
من يومين قال لي صديق أن فلانا الصديق فاز في الإنتخابات، وصار نائبا: فقلت: خطية صار نائب.. وكنت أعني بالخطية إنه إنسان جيد، ويستأهل الفوز.
جميعنا في الحياة خطية، الذين يقتلهم الطموح والقانعون، والجياع والمتخمون وذوو المال والمفلسون، المعافون والمرضى،الفقراء والأغنياء، الكبار والصغار، الوزير، وموظف الشاي في مكتبه، المدير العام والموظف الذي يتملقه كل صباح، مدير المؤسسة الكبير، وموظف الإستعلامات، كلنا وجميعنا وبعضنا والكثير والقليل منا كلنا خطية… لاتنسوا عامل الحديقة ورجل الأعمال، ذلك الذي يجول في الشوارع ويسمونه عامل النظافة والموظف الذي يشبعه سبابا.خطية.. نسيت الولد الذي كان أبوه لايملك شيئا وهو يفحط في سيارته الحديثة.هو يتسلى وأبوه مبتلى في الدارين..
زر الذهاب إلى الأعلى