ثمن الصقيع: كيف يكسر العراقيون نير الوعود الكاذبة؟
25/ايلول/2025
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
تبدأ حكايات الأمم بحكاية فرد. في زمن مضى، تفقد ملك رعيته، فوجد حارساً يحرس في صقيع الشتاء مرتدياً “ملحفاً” بالياً، فوعده الملك بالدفء غداً ثم نسي الوعد، ليجد الحارس نفسه في اليوم التالي قتيلاً بالصقيع. هذه القصة الرمزية المؤلمة هي المرآة الحقيقية التي تعكس حال المواطن العراقي اليوم مع وعود “الشاشات” وخطب القيادات؛ وعود تُطلق بسهولة، تخلق آمالاً زائفة، ثم تذهب مع الرياح دون أن تترك خلفها سوى صقيع الإحباط ومرارة الانتظار. الأزمة تجاوزت حدود الوعود الفاسدة، لقد وصل الأمر إلى مرحلة أصبح فيها المواطن يرى الكذب ديدناً، حيث يتحول تصريح أي مسؤول أو مدير إلى شيء يُقابل بالشك المطلق، فالتصديق بأي قرار أو فعل إيجابي صادر عنهم بات مستحيلاً، خاصةً عندما يكون الدليل المادي على الأرض هو الرداءة الممنهجة، حيث تجد المشاريع والخدمات متهالكة وسريعة العطب، لا تُقام بأي مهنية، بل الغرض منها هو الدعاية أو مجرد إنجاز شكلي. الأخطر هو أن هذا الفساد في النية والجودة امتد ليشمل أرقى مؤسسات الدولة ومنشآتها، التي كانت تُعرف بخدماتها الجبارة، ليصبح الكذب والرداءة منهجاً سائداً حتى في القمم المهنية. إن خلاصة هذا الانهيار تكمن في المثل: “الناس على دين ملوكهم”؛ فعندما يكون “دين الملوك” هو الكذب والمراوغة، فإن هذا السلوك يتحول إلى المعيار السائد الذي يقتل الصدق والكفاءة في كل زاوية من زوايا الإدارة. لذلك، آن الأوان ليدرك الشعب أن الخلاص ليس في انتظار وعد صادق، بل في إعادة بناء قيمه الذاتية وكسر التبعية لهذه الوعود الكاذبة، وذلك عبر الاعتماد على الذات أولاً والعودة إلى أخلاقيات الشعب. يجب المواجهة الحقيقية وإسقاط الشرعية الأخلاقية للسياسي الكاذب، وذلك بـالعقوبة الاجتماعية القاسية: عدم استقبال، ولا سلام، ولا مديح لأي مسؤول أمتهن الكذب على المواطن. هذا هو السلاح الأقوى الذي يكسر عملتهم الحقيقية (التأييد الاجتماعي) ويجبرهم على التغيير. إن هذا التغيير لن يأتي بسهولة، ولكنه يبدأ بـالأفعال الحقيقية؛ ببناء نماذج نجاح نظيفة داخل المجتمع، وتوثيق الكفاءة والفساد، وفرض معيار الصدق والمهنية في الاختيار، حتى نُعلم “الملوك” درساً قاسياً: لن يقتلنا الصقيع، ولن نرتدي ملحف الكذب مجدداً.
زر الذهاب إلى الأعلى