الرئيسيةالمقالات

المرجعية والديمقراطية: (بين مطلب الإصلاح وتجارب النظم الانتخابية العالمية)

المرجعية والديمقراطية:
(بين مطلب الإصلاح وتجارب النظم الانتخابية العالمية)

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي

منذ عام 2003، ظلّت المرجعية الدينية العليا في العراق تُعلن بشكل واضح أن الإصلاح الانتخابي هو المفتاح لأي عملية تغيير سياسي حقيقي. فهي ترى أن أي انتخابات بلا قانون منصف، وآليات شفافة، ستنتج برلمانًا ضعيف الشرعية، وحكومة قائمة على صفقات أكثر من كونها قائمة على الإرادة الشعبية.

المطالب التي تكررها المرجعية تتقاطع مع مبادئ معروفة في الأنظمة الديمقراطية حول العالم. فجوهرها يتمحور حول قضيتين:

1. عدالة التنافس الانتخابي بحيث تكون الفرص متكافئة أمام جميع المرشحين.

2. صون صوت الناخب بحيث لا يُعاد تدويره أو تحويله بطرق معقدة تُفرغ الانتخابات من مضمونها.

مقارنات مع قوانين دول أخرى

ألمانيا – نظام التمثيل النسبي المختلط (Mixed-Member Proportional)
يعتمد الناخب على صوتين: الأول لانتخاب ممثل دائرته بشكل مباشر، والثاني لاختيار قائمة حزبية. هذا النظام يحقق التوازن بين الفردية والتمثيل الحزبي، ويمنع ضياع الأصوات الصغيرة بفضل آلية تعويضية تضمن أن النسبة النهائية من المقاعد تعكس نسبة التصويت الفعلية.

فرنسا – نظام الجولتين (Two-Round System)
يضمن أن الفائز بمقعد البرلمان يحوز على أغلبية واضحة، حتى لو لم تتحقق من الجولة الأولى. هذا يقلل من تفتيت الأصوات ويمنع صعود مرشحين بلا قاعدة شعبية راسخة، وهو ما يعالج جزئيًا أزمة “الفوز بأصوات قليلة” الموجودة في بعض الدوائر العراقية.

الهند – نظام الصوت الواحد غير القابل للتحويل (First Past the Post)
رغم ضخامته من حيث عدد الناخبين، إلا أنه يواجه انتقادات مشابهة للوضع العراقي: فقد يفوز مرشح بنسبة 20% فقط من الأصوات بسبب تشتت المنافسين، ما يجعل صوته لا يعكس إرادة الأغلبية. المرجعية العراقية كثيرًا ما تشير إلى هذا الخلل، وهو موجود أيضًا في الهند.

الولايات المتحدة – قوانين تمويل الحملات (Campaign Finance Laws)
وضعت قيودًا على حجم التبرعات والإعلانات السياسية، بغية منع سيطرة رأس المال على العملية الانتخابية. المرجعية تطالب بشيء مشابه في العراق: ألا يكون المال السياسي أو “شراء الأصوات” هو العامل الحاسم في نتائج الانتخابات.

الدروس الممكنة للعراق:

1. آلية تحصين الصوت الانتخابي: اعتماد نظام يمنع ضياع أصوات الكتل الصغيرة (كما في ألمانيا) أو يضمن أغلبية واضحة (كما في فرنسا).

2. قوانين صارمة لتمويل الحملات: على غرار النموذج الأمريكي، لضمان حياد المال.

3. استقلال المفوضية: لا يكفي وجود “قانون جيد” بل يجب أن تكون الجهة المنفذة مستقلة فعليًا، قريبة من نموذج كندا حيث المفوضية محايدة وخارج المحاصصة.

4. الشفافية الرقمية: نشر النتائج على الإنترنت بشكل تفصيلي لحظة بلحظة، كما يحدث في دول أوروبية، يقلل من التشكيك في نزاهة النتائج.

الخاتمة

إن المرجعية في موقفها لا تقدّم “نصيحة دينية” بل تشخيصًا سياسيًا واقعيًا لأزمة الشرعية في العراق. فهي تربط الديمقراطية بالثقة الشعبية، وهذه الثقة لا تُبنى إلا بقانون انتخابي شفاف يشبه النماذج المتقدمة عالميًا. العراق لا يحتاج لاختراع العجلة، بل إلى الاستفادة من تجارب الآخرين وتكييفها مع بيئته الاجتماعية والسياسية.

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
#مرشح مستقل
#قائمة البديل (250)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار