الرئيسيةعربي ودولي

(السيميائية) العفاشية من مدلول تاريخي الى ايديولوجيا معاصرة

(السيميائية) العفاشية من مدلول تاريخي الى ايديولوجيا معاصرة

محمد علي اللوزي

​العفاشيون هم مجموعات متبقية من النظام السابق الذي ثار عليه الشعب، كنظام لم يعد صالحًا من حيث الإدارة، والنظام، والاستقلال، والسيادة. ورغم أنه تم القضاء عليه بعد فترة حكم دامت 33 عامًا، إلا أن بقايا هذا النظام ما زالت تحاول أن تعيد الكرة من خلال تبنيها فكرة “العفاشية” كنظام حكم. وهذه الفكرة، وإن كانت تبدو مستحيلة، إلا أنها تلقى دعمًا خارجيًا وإسنادًا ماليًا وعسكريًا غير مسبوق.
​ومع هذا الإسناد، ثمة رموز تحاول العفاشية أن توظفها كمدلولات على التناغم بين هذه المجموعات أو القوى البائدة، وهي تهدف من وراء ذلك إلى جمعها واحتوائها في إطار يشار إليه سيميائيًا بلفظ “أقيال”؛ ومعناه: الملك وما دون الملك من وزراء ووجاهات، إلا أنه لدى العفاشية يعني كل من يؤمن بالنظام العفاشي، وهو نصير له ويعمل من أجل عودته وينضوي فيه، بغض النظر عن أي اتجاه داعم له خارجي أو داخلي.
​لذلك، نرى الأقيال يؤازرون الصهيونية لمجرد أنها تشكل عدوانًا على اليمن وتناصب أنصار الله كقوة بارزة تواجه تحالف العدوان من جهة، وتنتصر للأقصى وغزة من جهة ثانية. هذا الأمر دفع بظاهرة “الأقيال” إلى أن تقف بقوة في خندق الكيان الصهيوني، وقدمت نفسها له كداعم من خلال ارتباطها بالجاسوسية وتقديم المعلومات للموساد بما يساعد على القضاء على أنصار الله والقوى الوطنية. إضافة إلى الارتكاز الكامل لتحالف العدوان، والإمارات والسعودية في المقدمة، وهما دولتان تناصران الكيان الصهيوني وتدعمان بقوة العفاشية للعودة إلى الحكم. من الواضح أن ما يجمع داعمي النظام البائد هي الدول الداعمة للصهيونية.
​ضمن هذا المسار، يتجه الأقيال في ارتباطاتهم الداخلية والخارجية إلى الارتكاز الواضح حد الشفافية بقوى معادية للمقاومة وتطلعات الأمة العربية. لعلنا نستحضر هنا الدال الآخر وهو “الوعل”، كرمز اتخذه الأقيال معبرًا عما يوحدهم، بارتباط تاريخي يستحضرونه كمرجعية دينية وثقافية لتكوينهم المتناغم مع الصهيونية.

​هنا علينا أن نوضح حضور “الوعل” كمدلول ديني أولًا لدى اليهود:
​في التوراة: ذكر الحاخامات أن الوعل شاهد على عناية الله بالإنسان (التثنية 14:5).
​في التلمود البابلي: وردت قصص عن وعول جبلية استخدمت لمعرفة عظمة الله.
​في الأدب الكابالي: يشبه العابد الذي يتسلق مراتب الحكمة الروحية بالوعل الذي يتسلق الصخور الوعرة دون أن يسقط.
​في نشيد الأنشاد (2:9): جاء “هوذا حبيبي يشبه الأيائل”، وقد ربط المفسرون بين هذا النص والوعل باعتباره رمزًا للحبيب.
​في كل الأحوال، نحن أمام ظاهرة عفاشية تتكئ على رموز دينية وثقافية تاريخية ترتبط بالتوراة والتلمود، وتصيغها بأسلوب ذكي يتناغم مع الصهيونية. علينا أن لا ننسى أن ظاهرة الأقيال الحميرية أيضًا، وأن ذا نواس الحميري لُقّب بالقيل وهو يهودي الديانة، واستطاع أن يؤثر في عدد من الأقيال الحميريين ليعتنقوا اليهودية، وكان لهم دور مهم في تكوين الدولة اليهودية بزعامة القيل (ذو نواس).
​وإزاء هكذا فهم سيميائي، نجد أن الاتكاء على التاريخ بمدلولاته ليس اعتباطيًا، وإنما هي دوال مدروسة بعناية، تم التعامل معها كمرجعية تاريخية دينية وثقافية تحتوي العفاشيين من جهة، ثم توجد علاقة بينها وبين الصهيونية ضمن مرجعية تاريخية أشرنا إليها سابقًا. من هنا نفهم مؤازرة تحالف العدوان للعفاشية المتمثلة في الأقيال؛ إنه تشكل أيديولوجي يلقى الدعم والعناية ليغدو واقعًا يرتبط برموز دينية وثقافية يهودية، حتى إذا ما نضج واستطاع أن يتجذر. وهو طبعًا أمر بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلًا، إلا أنه في مُخيَّل داعمي الكيان الصهيوني يبقى ماثلًا، يُعين على تشكل أيديولوجي واضح يصب في ما يسمونه “الإبراهيمية”، كديانة توحيدية للديانات السماوية الثلاث وفق المشيئة اليهودية.
​هكذا نجد أننا أمام مخطط تُنسج خيوطه الصهيونية للعديد من الجهات، حتى إذا ما استكملت حلقاته، يتلاشى الإسلام برموزه الدينية (مكة والمدينة) التي نرى داعمي الصهيونية في الجزيرة يعملون اليوم على تنشيط هذا الاتجاه، الرامي للقضاء على الإسلام من خلال مؤازرة أيديولوجيا الأقيال وخلخلة النسيج الاجتماعي اليمني ونشر الفجور في الديار الإسلامية، وصولًا إلى تمكين الصهيونية في الشرق الأوسط.
​الخلاصة:
ما يُسمى “العفاشية/الأقيال” ليس مجرد ظاهرة محلية يمنية، بل خطاب أيديولوجي يُراد له أن يُترجم إلى منظومة رمزية مرتبطة باليهودية والصهيونية، يُعاد إنتاجها لتخدم مشروعًا أكبر: إعادة تشكيل الهوية الدينية والسياسية للمنطقة عبر “الإبراهيمية”، بما يُفضي في النهاية إلى تقويض الإسلام برموزه المركزية (مكة والمدينة) وتفريغ المقاومة من محتواها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار