العراق بين إرث الحضارة ومعضلة التجهيل الممنهج: رؤية لدولة المواطن الواعي
(20 تموز 2025)
إعداد/الكاتب والباحث والمحلل السياسي/ عدنان صگر الخليفه
مقدمة
يُعرف العراق بأنه مهد الحضارات وإرثها العظيم، لكن هذا الماضي يتناقض بشدة مع واقع التدهور المنهجي في الوعي العام الذي شهده البلد منذ عام 2003. هذه الدراسة تتناول أسباب التجهيل المتعمد وكيف ساهم في إدامة سيطرة النخب السياسية، وتقدم رؤية لنموذج قيادي بديل قادر على بناء دولة حقيقية أساسها المواطن الواعي.
معضلة النخبة المتسلطة والتجهيل الممنهج
تحكم النخبة في مصير الشعوب: واقع العراق بعد 2003
في العراق، وبفعل عوامل مثل نظام المحاصصة وسيطرة النخب على مراكز السلطة والمعرفة، تبدو النخبة هي من تتحكم في مصير البلاد. هذه النخب غالباً ما تحمي مصالحها الخاصة على حساب الصالح العام، مما يطرح تساؤلاً حول مدى سيادة الشعب الحقيقية.
إشكالية لوم الشعب على قرارات النخبة
يُثار تساؤل عن مسؤولية الشعب عن قرارات النخبة المسيطرة. فالاختيارات الانتخابية غالباً ما تكون محدودة، وغياب المقاومة الشعبية الفعالة قد يُفسر كقبول ضمني. كما تساهم الانقسامات المجتمعية في إضعاف صوت الشعب وتشتيت مسؤوليته.
التجهيل المتعمد: استراتيجية النخبة للبقاء
تُعد عملية التجهيل العلمي والثقافي استراتيجية ممنهجة تستخدمها النخب السياسية في العراق، خاصة في المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية. يتم ذلك عبر تدمير البنى التحتية التعليمية والثقافية، والتعتيم على الوعي السياسي، والتلاعب بالرأي العام باستغلال العواطف والانتماءات الضيقة. هذا التجهيل يقتل التفكير النقدي ويُحول حتى الرموز الوطنية العظيمة، كثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، إلى مجرد طقوس تُفقد جوهرها الإصلاحي والتنويري، لتخدم أغراض التعبئة الشعبوية لا التوعية الحقيقية.
الحاجة إلى نخبة جديدة: رؤية للإصلاح
سمات النخبة المنشودة
لمواجهة هذا الواقع، يحتاج العراق إلى نخبة جديدة تؤمن بأن العلم أساس لمبدأ الحياة، وتعتمد المنهج العملي في ثورتها ضد التجهيل. يجب أن تكون هذه النخبة قائمة على المواطنة لا الطائفية، وتقود بالقدوة من خلال الشفافية والنزاهة.
أهمية تمكين الكفاءات في الوزارات الحيوية
حتى في ظل نظام المحاصصة، من الضروري تمكين الشخصيات المهنية وذات الاختصاص في الوزارات الخدمية والحيوية (كالتربية، التعليم العالي، الصحة، الكهرباء، الثقافة). هذه الوزارات تؤثر مباشرة على حياة المواطن، وتمثل الأدوات الرئيسية لمكافحة التجهيل من الجذور، وبناء الثقة بين الدولة والمواطن، وإثبات جدوى الكفاءة على حساب المحاصصة.
تغيير المنهجية: من المتسلط إلى الخادم
التحول الأساسي يكمن في تغيير عقلية المسؤولين من كونهم “سادة متفضلين” إلى “خدم مكلفين” بواجبات تجاه المواطن. هذا يتطلب اعتبار الخدمات حقوقًا لا منناً، وفرض الشفافية والمساءلة، واحترام كرامة المواطن، وتغيير دور المسؤول ليكون مُعلِّماً ومُمكِّناً للمواطن لا متسلطاً عليه. هذا التحول يجب أن يُنفى تماماً من البرنامج الحكومي القادم، ليحل محله برنامج يتعامل مع المواطن كشريك سيد.
الطريق نحو السيادة الحقيقية والمواطن الواعي
السيادة تبدأ من وعي وكرامة المواطن
لا يمكن الحديث عن سيادة وطنية حقيقية دون وجود وعي وكرامة لدى المواطن، وبناء شخصية حقيقية له. فالمواطن الواعي والمُكرَّم هو أساس السيادة الشعبية القادرة على اتخاذ القرارات المستنيرة وحماية الوطن. هذا الوعي والكرامة لا يتمكن المواطن من اكتسابهما إلا بوجود منظومة تعليمية وخدمية حقيقية.
البرنامج العملي: الطريق من التجهيل إلى الوعي
لترسيخ هذه المفاهيم، يجب أن يكون هناك برنامج عملي ملموس بعيدًا عن الوعود الكاذبة. هذا البرنامج يرتكز على بناء بنية تحتية حقيقية للتعليم والخدمات في المجتمع العراقي، وخاصة في مناطقه الشعبية، لأن الأفعال هي التي تبني الثقة وتكسر حواجز التجهيل وتُرسخ مفهوم السيادة الشعبية عملياً.
قيادة “الفلاح الخبير” لمستقبل العراق
لبلوغ هذه الأهداف، لا بد من إيجاد قيادة تماثل “الفلاح الخبير”: قيادة تعرف طبيعة الأرض (المجتمع العراقي)، وكيفية زراعتها (الإدارة والتنفيذ)، وكيفية اختيار البذور الصالحة (الكفاءات والبرامج). هذه القيادة المهنية، ذات الرؤية التنويرية، والشجاعة على التغيير، هي المفتاح لانتشال المواطن من واقع التجهيل نحو واقع علمي حقيقي، وليست قيادة تفتقر لأبسط مقومات فهم “الزراعة” و”البذور” الحقيقية التي تؤدي إلى النتاج المرجو.
زر الذهاب إلى الأعلى