الرئيسيةالمقالات

العراق: عندما يُصمت الحق.. أزمة ثقة عميقة

العراق: عندما يُصمت الحق.. أزمة ثقة عميقة

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

شهد العراق مؤخرًا “زلزالاً دستوريًا” باستقالة تسعة قضاة من المحكمة الاتحادية العليا، احتجاجًا على تسييس القضاء والتدخلات السافرة في عمله. هذه الاستقالات، التي سبقتها مطالبات رسمية من أعلى السلطات التنفيذية والرئاسية بـ “إعادة النظر” في قرارات المحكمة، تكشف عن أزمة أعمق في صميم العملية السياسية العراقية.
هذه الأزمة ليست جديدة؛ جذورها تمتد إلى قضايا حساسة مثل “اتفاقية خور عبد الله” عام 2013. فخلال جلسة التصويت البرلمانية آنذاك، وصفت الاتفاقية بـ “المذلة” علنًا، ورغم ذلك صوتت الغالبية العظمى من الكتل السياسية بالموافقة عليها، باستثناء تيار واحد. المفارقة أن نفس هذه الكتل ما زالت مهيمنة على البرلمان اليوم، مما يعكس استمرارية نهج يرضى على نفسه الإذلال.
الأمر الأكثر إحباطًا يكمن في خطاب النخبة السياسية. فبينما يلقي المسؤولون والنواب الخطابات الرنانة عن مكافحة الفساد ويدعون الشعب إلى “انتخاب الأصلح”، فإنهم يتسترون على أسماء الفاسدين، ويرفضون كشف من صوت على تلك الاتفاقية “المذلة”، أو من يمارس الضغط على القضاء. هذا التناقض الصارخ يجعل الشعب العراقي يصل إلى استنتاج واحد مرير: “الكل فاسدون”.
إن من يدعون الدفاع عن استقلالية القضاء وحماية حدود العراق، ومن يتشدقون بالوطنية، يقع عليهم اليوم واجب أخلاقي وسياسي حتمي: كشف الحقائق كاملة. عليهم أن يسموا الكتل والأشخاص الذين يصرون على إذلال العراق، والذين يضغطون على القضاء، والذين يتفقون في “الغرف المظلمة” على أجندات تختلف عن خطاباتهم العلنية.
فالشجاعة ليست مجرد شعار؛ هي أساس أي قيادة حقيقية أو تمثيل صادق. من يفتقر لهذه الشجاعة في مواجهة الظلم وكشف الحقائق، ويصمت عن الحق، لا يستحق قيادة الشعب العراقي. إن إخفاء الحقائق عن الشعب هو حرمانهم من حقهم الأصيل في المعرفة، وبالتالي حرمانهم من القدرة على اختيار من يمثلهم بصدق. إنها لحظة فارقة تتطلب شفافية مطلقة، وإلا سيظل الشعب يرى نفسه محاطًا بـ “الأذلاء” الذين يصرون على المذلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار