التحولات الستراتيجية في المشهد السياسي العراقي وتحصين النظام
إعداد/عدنان صگر الخليفه
فرض المحال ليس بمحال. بهذه الفلسفة، يهدف هذا البحث إلى تحليل المشهد السياسي العراقي، الذي يتجاوز الفوضى الظاهرية ليكشف عن خطة استراتيجية ممنهجة لترسيخ هيمنة النظام القائم. هذه الاستراتيجية تتضمن ديناميكيات اللاعبين المحليين، الدوافع الإقليمية، الأجندات الخفية، والدور المحوري للولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
اللاعبون الرئيسيون والتعاون التكتيكي
يهيمن الإطار التنسيقي (القوى الشيعية المرتبطة بإيران) على الحكومة والبرلمان، ويُظهر براغماتية في بناء تحالفات عابرة للمكونات، كما في تحالف كتلة صادقون مع عشائر التكارته. في المقابل، يعاني البيت السني من تشرذم حاد وصراع على القيادة، مما يضعفه ويجعله عرضة للاستقطاب.
في هذا السياق، يبرز تجمع العراق الوطني للتحرير والتغيير بقيادة جمال عبد الله السلطان، ذو الرمزية التاريخية والقاعدة القبلية والذراع العسكرية. دعوة هذا التجمع للحوار مع الحكومة ليست صدفة، بل خطوة مدفوعة باستقرار حكومة السوداني، الدور القطري المحوري، والتحولات في التحالفات الداخلية.
رغم أن طموحات القوى الشيعية (ترسيخ الهيمنة) وطموحات السلطان (قيادة المكون السني) متناقضة جوهريًا، إلا أنهما يمكنهما التعاون تكتيكيًا لإسقاط الأصوات المعارضة، حيث تستفيد القوى الشيعية من دمج السلطان لإظهار “الشمولية”، ويستفيد السلطان من تقويض القيادات السنية القائمة وفتح طريق لنفوذه.
الدور الإيراني وتحصين النظام
هذا التحول لا يمكن أن يتم دون موافقة إيرانية محسوبة. إيران تسعى لإدارة الخطر السني، إضعاف خصومها، والأهم هو تحصين النظام من تهمة التبعية. وجود جمال عبد الله السلطان، المرتبط بالنظام السابق، ضمن النظام الحالي، يُعد ضربة قاضية لاتهام العراق بالتبعية الكاملة لإيران. هذا لا يعني أن صدام حسين كان يقبل التعامل مع إيران داخليًا، بل يؤكد أن السلطان يمكنه التكيف مع الواقع الحالي، مما يُقدم غطاءً وطنياً للنفوذ الإيراني الفعلي. كما أن خطاب الرئيس دونالد ترامب حول خطأ غزو العراق يُعزز هذا التوجه ويُقدم غطاءً دولياً لـ “المصالحة الوطنية” في العراق.
تحدي التيار الصدري وثبات النظام
يمثل التيار الصدري قوة ضغط مؤثرة بقدرته على تحريك الشارع واستقلاليته النسبية عن إيران. ومع ذلك، فإن قوته مقيدة. فهو لن يخرج بشكل كلي من الإجماع الوطني، ويسعى للبقاء داخل العملية السياسية، ويخضع لضغوط المرجعية الدينية. إذا ما اختار الخروج عن هذا الإجماع، فسيتحول إلى عامل ضغط شعبي لا أكثر، دون القدرة على قلب موازين القوى جذريًا. وبالتالي، بينما لا يمكنه منع تحصين النظام، يمكنه أن يُبقي الشكوك قائمة ويُعيق الصورة الكاملة للتحصين.
الاستراتيجية الكبرى والتحصين الدولي
في النهاية، هذه الاستراتيجية الشاملة هي جزء من المخطط الأكبر الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي منذ عام 2003، بهدف إنضاج وتحصين النظام السياسي الجديد والحفاظ عليه بأي ثمن ممكن لمنع الانهيار والفوضى. وهذا يؤكد أن العمل الأمريكي تجاه العراق ليس مزاجيًا، بل هو عمل مؤسساتي مرسوم ضمن خطط استراتيجية طويلة المدى لا يمكن تغييرها بسهولة.
وبالرغم من الدعوات العالمية والإقليمية لإسقاط النظام الحالي، فإن السلطة في العراق تُؤمن بقدرتها على الصمود وعدم الإسقاط. إنهم غير مكترثين بهذه الدعوات، معتمدين على سيطرتهم على مفاصل الدولة، تحالفاتهم المتينة، دعمهم الإقليمي والدولي، وقدرتهم على إدارة خطاب المعارضة.
خاتمة
المشهد السياسي العراقي ليس عشوائياً، بل هو نتيجة عمل استراتيجي ممنهج للغاية من قبل القوى المهيمنة لضمان بقائها. هذا العمل ينسجم مع الأهداف الأوسع للولايات المتحدة والمجتمع الدولي في إنضاج وتحصين النظام. هذه الديناميكيات المعقدة تهدف إلى تحصين النظام من أي محاولات للزعزعة، من الداخل أو الخارج، وإسقاط تهم التبعية، مؤكدة أن الحفاظ على السيطرة والاستقرار هو الهدف الأسمى لجميع التحركات السياسية في العراق.
زر الذهاب إلى الأعلى