العراق في مرآة القمم:
إمّا أن يشكّل أو يُشكّل
علاء الطائي
العالم يعيد تشكيل نفسه كمادة صلبة — كما قال الباحث الأستاذ فاضل الربيعي ومن لا يُشكّل يُشكَّل والخيار أمام العرب بين التبعية أو المبادرة بين كتابة القواعد أو التوقيع عليها.
بهذه القاعدة الفلسفية التي تنطق بمرارة الجغرافيا وزمن الانحناء تُعقد قمة بغداد المرتقبة وسط بحر من التساؤلات…
ماذا يريد “ساسة العراق” من هذه القمة؟
وهل ينتقل من موقع التلقي إلى موقع الفعل، أم يظل أسير مشهد يكرّر نفسه في دورات تاريخية عقيمة؟
المحاصصة… قيد داخلي في جسد الدولة
ما يقيّد إرادة العراق قبل الخارج هو الداخل، وتحديدًا المحاصصة السياسية التي تمزّق قرار الدولة وتحوّله إلى توازنات طائفية وحزبية وقومية لا تنتج “دولة” بل “كوتا حكم”. هذا الحاكم – أياً كان اسمه – لا يحكم، بل يدير تناقضات الآخرين داخل السلطة، ويصيغ خطابًا يتماشى مع بيئة مريضة لا تتيح له التحول من ردّ الفعل إلى المبادرة.
المحاصصة جعلت من منصب “رئيس الوزراء” منصبًا رمزيًا مشلولًا، يفاوض الخارج كمرآة لما يقبل به الداخل، لا كممثل لإرادة وطنية حاسمة. ولهذا، تبدو كل القمم – بما فيها قمة بغداد – وكأنها مسرح لاستعراض العجز الجماعي العربي، لا لاستيلاد حلول.
الراعي الغربي:
التبعية المقنّعة
معظم الأنظمة العربية اليوم تعيش في ظل “راعي دولي”.. فهذه تحت الرعاية الأمريكية، وتلك تحت العين الفرنسية، وأخرى تسبّح بحمد البريطاني. دول عربية كثيرة لا تتحرّك إلا ضمن حدود ما يُرسم لها، لا ما ترسمه لنفسها. حتى في القمم، يكتفون بـ”التوقيع على القواعد” لا كتابتها.
بالمقابل، يقف العراق في موقع رمادي:
بين أن يبقى مجرّد ساحة يتنازع فيها الرعاة، أو أن يتحوّل إلى لاعب مستقلّ يفرض إيقاعه في المنطقة. وما لم ينتقل الحاكم من “دائرة التلقي” إلى “دائرة الحضور والفعل”، ستظل كل قمة تُعقد في بغداد مجرّد حلقة إضافية في مسلسل “قمم بلا نتائج”، أو “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا”
الحضور أو العدم
إن الساسة في العراق أمام مفترق:
إما أن يحوّل القمة إلى “منصة قرار” لا “منبر شكوى”، أو يظل يراوح في خانة “كأنك يا زيد ما غزيت”. ومع هذا الخيار، تتكرر فقط مشاهد القمم السوداء:
-كلمات رنانة
-صور جماعية
-وبيانات ختامية تنتهي بمجرد انتهاء القمة.
الاختبار الحقيقي هو:
هل يريد العراق أن يضع يده على عجلة الإقليم أم يبقى في مقعد الركاب؟
هل يملك مشروعًا إقليميًا؟
أم مجرد مواقف موسمية تابعة للمزاج الخليجي حينًا، أو الأمريكي حينًا آخر؟
القمة ليست حدثًا، بل فرصة. والعراق إن لم يغتنمها، فسيظل غائبًا حتى وهو في قلب الصورة.
زر الذهاب إلى الأعلى