المقالات

 غزة: جرح الإنسانية النازف.. والمجتمع الدولي شاهد صامت

 غزة: جرح الإنسانية النازف.. والمجتمع الدولي شاهد صامت

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

تحت سماء غزة الملبدة بدخان القصف، تتناثر أشلاء الأبرياء، وتتراكم أنقاض المنازل المدمرة، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزًا، يكتفي بدور المتفرج، أو ربما المُحرّض الصامت. جولات متكررة من التصعيد، وعود زائفة بالسلام، وقرارات دولية حبر على ورق، هي حصيلة عقود من التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية. فهل باتت غزة قدرًا محتومًا، أم أن هناك أملًا في تغيير هذا الواقع المرير؟ في مشهد يثير التساؤلات، وبينما تتصاعد أعمدة الدخان من بين الأبنية المهدمة، تستعرض فصائل المقاومة الفلسطينية قوتها العسكرية، وكأنها خرجت منتصرة من معركة غير متكافئة. هذا الاستعراض، الذي يأتي في ظل خسائر بشرية ومادية فادحة، يطرح تساؤلات حول الرسائل التي تسعى المقاومة لإيصالها، وحول مدى تأثيرها على الرأي العام الفلسطيني والدولي. يثير هذا السؤال جدلاً واسعًا في الأوساط الفلسطينية، فبينما يرى البعض في هذه الاستعراضات رمزًا للصمود والمقاومة، يرى آخرون أنها تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، وتمنح إسرائيل ذريعة لتصعيد عدوانها. يرى المؤيدون أن هذه الاستعراضات ترفع معنويات الشعب الفلسطيني، وتؤكد على حقه في المقاومة، ويعتبرونها رسالة ردع لإسرائيل، مفادها أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وأنه سيواصل النضال من أجل حقوقه. يرى المعارضون أن هذه الاستعراضات تستفز إسرائيل، وتزيد من خطر تعرض المدنيين للقصف، ويشككون في جدوى هذه الاستعراضات، ويرون أنها لا تساهم في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، ويتساءلون عما إذا كان الشعب الفلسطيني في غزة يتبنى خيار المقاومة المسلحة، أم أنه مجبر على ذلك بسبب الظروف القاهرة. في خضم هذه الأحداث، يثور تساؤل جوهري: هل المجتمع العربي رهينة لأفعال المجتمع الغربي؟ هل ما يُباح للغرب يُحظر علينا؟ يشعر الكثيرون في العالم العربي بوجود ازدواجية في المعايير الدولية، حيث يتم التعامل مع القضايا العربية بمنظور مختلف عن القضايا الغربية. يتجلى ذلك في تجاهل الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، بينما يتم التركيز على قضايا أخرى في المنطقة. لا يمكن إغفال تأثير التاريخ الاستعماري على المجتمعات العربية، حيث تم استغلال مواردها وتقويض سيادتها. هذا التاريخ خلق حالة من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم. يشهد النظام الدولي الحالي هيمنة قوى غربية، تحدد إلى حد كبير قواعد اللعبة الدولية. قد يفرض هذا النظام قيودًا على قدرة الدول العربية على اتخاذ قرارات مستقلة، خاصة في القضايا المتعلقة بالأمن والاقتصاد. منذ قرار التقسيم عام 1947، مرورًا بقرارات الأمم المتحدة المتعاقبة، وصولًا إلى مبادرات السلام المتعثرة، يثبت المجتمع الدولي عجزه عن تنفيذ قراراته، أو فرض إرادته على الأطراف المتنازعة. لماذا تبقى القرارات الدولية حبرًا على ورق، دون آليات تنفيذ فعالة؟ بينما يُسارع المجتمع الدولي إلى فرض العقوبات على دول أخرى، يتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. لماذا يتم التعامل مع القضية الفلسطينية بمعايير مختلفة عن غيرها من القضايا الدولية؟ يبدو أن القوى الدولية الكبرى تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة للضغط على إسرائيل، وفرض حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. هل المصالح السياسية والاقتصادية هي التي تحكم مواقف الدول الكبرى، على حساب العدالة وحقوق الإنسان؟ يُعد حصار غزة، الذي يستمر منذ سنوات، جريمة إنسانية بكل المقاييس. ومع ذلك، يلتزم المجتمع الدولي الصمت، ولا يتخذ خطوات جادة لرفعه. كيف يمكن تبرير الصمت الدولي على معاناة مليوني إنسان يعيشون في ظروف لا إنسانية؟ تُثبت جولات التصعيد المتكررة في غزة فشل المجتمع الدولي في إيجاد حلول جذرية للصراع. لماذا يكتفي المجتمع الدولي بدور الوسيط بين جولات التصعيد، دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة؟ جاءت تصريحات ترامب حول إخلاء غزة لتزيد من تعقيد المشهد، وتكشف عن مدى استهتار بعض القوى الدولية بحياة الفلسطينيين. كيف يمكن التعامل مع تصريحات كهذه، التي تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان؟ تُعد استعراضات قوة المقاومة الفلسطينية رسالة واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وأنه سيواصل النضال من أجل حقوقه. هل يدرك المجتمع الدولي أن تجاهل القضية الفلسطينية لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد والعنف؟ تُفضح استعراضات المقاومة أيضًا تقصير المجتمع الدولي وعجزه عن حماية المدنيين الفلسطينيين. هل سيتحرك المجتمع الدولي لوقف هذه المأساة، أم أنه سيظل يكتفي بدور المتفرج؟ لم يعد مقبولًا أن يكتفي المجتمع الدولي بإصدار البيانات والتصريحات، بل يجب عليه أن يتحمل مسؤولياته، وأن يتخذ خطوات عملية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. وإلا، فإن غزة ستظل تحترق، وستظل القضية الفلسطينية جرحًا نازفًا في جبين الإنسانية.

عدنان صگر الخليفه
تجمع اهل العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار