الرئيسيةالمقالات

مسرحية السيادة المفقودة: التناقض بين اشتراطات مارك سافايا وواقع المحاصصة في العراق

مسرحية السيادة المفقودة: التناقض بين اشتراطات مارك سافايا وواقع المحاصصة في العراق

بقلم/عدنان صگر الخليفه

​يتصاعد الجدل في المشهد السياسي العراقي إثر تداول أنباء عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأمريكي مارك سافايا، مبعوث الرئيس دونالد ترامب (الرئيس الحالي للولايات المتحدة) حاملاً معه حزمة من الاشتراطات القاسية لتشكيل الحكومة المقبلة. هذه الاشتراطات، التي تتضمن رفض إشراك أي فصيل مسلح في الوزارات السيادية وضرورة الموافقة الأمريكية المسبقة على أسماء الوزراء، كشفت بوضوح عن التناقض الجذري بين العملية الديمقراطية المعلنة والسيادة الفعلية للبلاد.
​يثير هذا السيناريو تساؤلاً منطقياً وعميقاً: ما الغاية من إجراء انتخابات برلمانية تُفضي إلى كُتل قوية، ثم تأتي قوة خارجية لتُملي شروطاً تُلغي نتائج هذه الكتل؟ يرى كثيرون أن هذا التناقض ليس مجرد خطأ، بل هو جزء أصيل من الاستراتيجية الأمريكية التي تقبل بـ “الشكل الديمقراطي” لضمان شرعية النظام، مع الاحتفاظ بحق “النقض” (الفيتو) على مضمون السلطة التنفيذية. ذلك لضمان استمرار نفوذها على الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف تهريب النفط إلى إيران والعملة الأجنبية . وفي ظل هذه الرؤية، تتحول الانتخابات من أداة للتعبير عن الإرادة الشعبية إلى مجرد آلية لتحديد موازين القوى التي ستجلس إلى طاولة المساومة الخارجية.
​لكن المفارقة الأكبر تكمن في أن هذا الخطاب الحاد (سواء من جانب مارك سافايا أو من تصريحات الرئيس دونالد ترامب) قد لا يتجاوز كونه “تكتيكاً إعلامياً وسياسياً”. فالنخب السياسية، التي اعتادت على نظام المحاصصة التامة وتوزيع المناصب ضمن “سلة واحدة”، تستغل هذه الإملاءات كـ “مسرحية سياسية” لتمرير التنازلات وتبريرها للجمهور. هذا التخدير تحديداً يُدار من قبل القوى التي تدعي المعارضة أو الناشطين السياسيين، الذين يروجون حكايات مفادها أن “التغيير قادم لا محالة” على يد الولايات المتحدة أو قوى عالمية أخرى. هذا الوهم يهدف إلى بث حالة من السكينة والانتظار السلبي لدى الشعب، بدلاً من التحرك والضغط الفعلي.
​هذا التخدير يجد أرضية خصبة بسبب فشل قوى المعارضة المُعلنة؛ فإما أنها معارضة “مُستترة” تخدم أجندة السلطة وتساهم في تشتيت الغضب، أو أنها “تنتظر التدخل الخارجي” لانتزاع السلطة، مما يجعلها في الحالتين فاقدة للمصداقية الوطنية، وتؤكد أن النظام بأكمله (حكماً ومعارضة) يعمل وفق منطق الاستزلام والمصالح الذاتية.
​إن الاستمرار في هذا النموذج السياسي لا يؤدي إلى خنق السيادة فحسب، بل يقود إلى عواقب اقتصادية وخيمة. فالحكومات الناتجة عن المحاصصة تساهم في الترهل المالي والصرف غير المُبرر، مما يُغرق البلاد في الديون الكبيرة. هذا الدين الممنهج يجعل الموارد العراقية مرتهنة للقوى الدولية التي تسهم في هذا الإغراق، ليكتمل بذلك المخطط الذي يُبقي العراق في دائرة التبعية والعبودية الاقتصادية، رغم كل التبجح السياسي بالسيادة الزائفة.
​في الختام، يرى التحليل أن أي حديث عن “إصلاح” أو “تغيير” بعيداً عن الجوهر، هو استمرار للمسرحية. الحل الحقيقي يكمن في خطوة واحدة لا يمكن تجاوزها: الإصلاح الهيكلي الجذري للنظام السياسي نفسه. هذا الإصلاح يبدأ من تعديل القوانين الانتخابية ليتم الانتخاب في دائرة انتخابية واحدة، ومروراً بـ الانتخاب المباشر لمنصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء مع منحهما صلاحيات متساوية، وتفعيل الرقابة القانونية الصارمة على مجلس النواب، وأخيراً، تغيير مفوضية الانتخابات المستقلة لتكون حيادية من أعلى الهرم إلى الكادر الوسطي. بغير هذه الحزمة المتكاملة من الإصلاحات، ستبقى السيادة العراقية رهينة، وسيظل الشعب العراقي في دائرة الانتظار الأبدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار