إنتخابات العراق: كيف رسخت “نرجسية التغيير” شرعية المحاصصة؟
بقلم/عدنان صگر الخليفه
لم تكن نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة مجرد توزيع للمقاعد، بل كانت لحظة حاسمة أكدت ترسخ النظام التوافقي ومنحت الكتل التقليدية شرعية متجددة على الرغم من ضعف إنجازاتها. المفارقة أن هذا الترسخ لم يأتِ فقط بقوة النظام، بل بالقدر الأكبر من الأخطاء الاستراتيجية الذاتية التي ارتكبتها القوى التي زعمت حمل لواء التغيير. لقد وقع مدعو التغيير في “التناقض القاتل”: تبنوا خطاب “المنقذون” الأعلى سقفاً، لكنهم قبلوا العمل تحت مظلة قانون “سانت ليغو المعدل” الذي صُمم لخدمة الأحزاب الكبرى. هذا التناقض كشف عن حالة من النرجسية العالية أدت إلى تشرذم صفوفهم، وعن اعتمادهم الخاسر على الخارج، سواء بالترويج لـ “ختم الموافقة الدولية”، أو بالرهان الساذج على التغيرات الجيوسياسية، ومنها الأمل في تغيير السياسة الأمريكية إثر فوز دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الحالي والفائز بانتخابات عام 2024. هذا الرهان وضعهم في وضع “الانتظار” بدلاً من “البناء”، في الوقت الذي اكتفوا فيه بـ “نقد الفساد” دون تقديم مشروع عملي حقيقي يواجه منظومة المحاصصة.
في المقابل، لم يكن رد فعل النظام سوى ضخ هائل لـ المال السياسي واستغلال للدعم المؤسسي. وفي مواجهة هذا الرد، أدت أخطاء قوى التغيير إلى نتيجة كارثية: منح الشرعية للنظام. فنسبة المشاركة التي تجاوزت الخمسين بالمئة، على الرغم من المقاطعة، حيّدت سلاح “شرعية الشارع” وكرست سيطرة الكتل التقليدية، ليصبح مدعو التغيير السبب الرئيسي في كسر عصا التغيير بأيديهم. إن الحكومة القادمة، التي ستتشكل على قاعدة “تقاسم الحصص” والنفوذ المالي عبر المكاتب الاقتصادية، ستستمر في إنتاج الإنجاز الزائف. فمشاريع البنى التحتية هي في جوهرها آلية للفساد وسحب الثروة، وليست رؤية للتنمية، وتخدم الترهل الوظيفي الذي يستهلك الميزانية في الجانب التشغيلي على حساب الاستثمار في التعليم والصحة والعدالة. في ظل هذا الترسخ، أصبح الطريق نحو التغيير الحقيقي شاقاً جداً. الخيار الوحيد المتبقي أمام القوى الطموحة هو التخلي عن النرجسية والرهان الخارجي، وتبني مشروع موحد، مهني، وعملي يركز على بناء القاعدة الحقيقية الداخلية والتنظيم المحكم، فالشرعية لا تُمنح بالشعارات، بل تُكتسب بالإصرار الداخلي لمواجهة منطق المال والتقسيم.
زر الذهاب إلى الأعلى