بين الظن واليقين: مقاربة قرآنية نبوية وعقلية[3_4]
<><><><><><><>
✍🏼بقلم: د. رعد هادي جبارة
الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
🔗خصوصية المفردةالقرآنية-47
–مسيرة الأنبياء ونمط التحول من الظن إلى اليقين
📌تمهيد
تبيّن لنا مسيرة المرسلين ورحلة الأنبياء في القرآن الكريم تحوّل الإنسان ، من الظنّ والشك ، إلى اليقين والإيمان الراسخ. فالظنّ هو البداية البشرية للتفكير و التوقع، بينما اليقين هو نتيجة التجربة و الاعتماد على اللهﷻ، و يظهر بوضوح في مواقف الأنبياء أثناء الابتلاء والشدائد.
📌أولًا: يوسف( ع)
﷽ ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
[ يوسف: 15]
لقد ظنّ إخوته أن البئر ستكون قبره، وظنت زليخة أن السجن سيكون قدره ،وظن هو أن ذلك مكتوب في مصيره، لكن حكمة اللهﷻ وعنايته حوّلت الظلم إلى رفعة والابتلاء إلى تمكين.
﷽ «وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(٥٦)»
[يوسف: 56]
📌ثانيًا: موسى (ع)
فزع موسى من يده عندما تحولت -فجأة- الى شيء مضيء يسطع منها ضوء شديد مدهش:
﷽ {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف :108]
وأصيب بالهلع عندما تحولت عصاه إلى ثعبان يبتلع كل الأفاعي والحيات (التي هي حبال السحرة) فكانت عصاه مرعبة عندما يلقيها:
﷽ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}
[الأعراف:117]
لكن تسديد اللهﷻ له بعث في قلبه الطمأنينة ، وملأ فؤاده باليقين.
وبعد ذلك:
«فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ … قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ»
[الشعراء:61‑62]
وظنّ أصحابه أن فرعون سيغلبهم بعد الخروج من مصر، لكن تسديد الله ﷻ جعل الشك والظن و الخوف تتحوّل إلى يقين وثقة بالنصر الإلهي.
﷽ «و أَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ»
[الشعراء: 65]
📌ثالثًا: داوود (ع)
﷽ «وَقَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ … وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»
[البقرة: 249‑251]
ظنّ جيش داوود المؤمنون أنهم سيُهزَمون أمام جالوت وجنوده الأقوياء، لكن الصبر والتوكل على الله ﷻ حوّلا الظنّ إلى انتصار وتمكين، ومنح داوود الملك والحكمة.
📌رابعًا: يونس (ع)
﷽ «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»
[الأنبياء: 87]
لقد ظنّ يونس أن نجاته مستحيلة في بطن الحوت العظيم وسط ذلك البحر الخضمّ، لكن التوبة الصادقة والرجاء باللهﷻ أنقذته و أخرجته من الظلمات.
*« فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ» *
[الأنبياء: 88‑89]
📌خامسًا: الخلاصة من قصص الأنبياء
قال ٲلـلَّـﷻـۂ:
﷽ { حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }
[يوسف: 110 ) .
وقال ٲلـلَّـﷻـۂ:
﷽{مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ `الرَّسُولُ` وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]
🔹الدروس المستفادة:
1. الظنّ الطبيعي بداية للتوقع البشري، لكنه لا يقين فيه إلا بما يقدّره اللهﷻ.
2. اليقين يأتي عبر التجربة والتوكل على الله ﷻ.
3. الابتلاءات والمحن فرص للتعلم الروحي والنمو الإيماني.
4. الظنّ السيئ أو القنوط يذيب الإيمان، بينما التثبت من الخير،و الاعتماد على الله ﷻ يقوّي اليقين.
📌خاتمة المقال:
🔹أحيانًا يستحكم اليأس في القلب، ويستولي القنوط على الإنسان في المحن،
لكن تسديد الله ﷻ ونصره و تحقيق الوعد الإلهي يحوّل الظنّ إلى يقين، و الضعف إلى قوة، واليأس إلى فتح، والضيق إلى فرج.فلتكن الثقة بالله ﷻطريقنا إلى اليقين.
ولننتبه لقوله ﷻ:
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}
(النجم:28).
وقولهﷻ:
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}
[الانعام:116]
🔹وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (وآلـﷺـه) قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ ، يَقُولُ 🙁 لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ)
🔹و كذلك ينبغي إحسان الظن بالناس فـ(إن سوء الظن يحمل على التجسس و التحسس والغيبة و التحاسد والتباغض و التدابر ، ويقطع العلاقة بين المتآخين . وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَ عَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَ الْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ ( بدر عبد الحميد هميسه- صيد الفوائد) .
🔹يتبع🔹
زر الذهاب إلى الأعلى