البيت الأبيض يُقِرّ بالعدوان.. وترمب في قفص الاتهام
بقلم: د.رعدهادي جبارة
الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي السابق
#اعتراف ترمب يفتح باب المساءلة القانونية و التعويضات
📌 المقدمة:
لم يعد العدوان الأخير على إيران مجرّد عمل عسكري عابر استغرق 12 يوما فحسب، بل تحوّل إلى قضية قانونية دولية بعد أن اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب صراحةً بأنه هو من أمر وقاد العملية العسكرية الإسرائيلية ضد المنشآت الإيرانية.
هذا التصريح غير المسبوق، الذي وصف فيه الهجوم بأنه «ضروري وناجح»،وضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي، وأزال كل غطاء سياسي عن مشاركته في الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية الإيرانية.
من الناحية القانونية، يشكّل هذا الاعتراف إقرارًا رسميًا من أعلى سلطة تنفيذية في واشنطن بمسؤولية الدولة عن استخدام غير مشروع للقوة، وهو ما يجعل الولايات المتحدة مسؤولة عن جميع الخسائر البشرية و المادية التي تكبّدتها إيران، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة.
لقد سارعت طهران بالأمس إلى مخاطبة مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة مطالبةً بتوثيق تصريحات ترامب رسميًا واعتبارها دليلًا قاطعًا على العدوان، في حين وجدنا واشنطن واشنطن كعادتها تستخدم حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي إدانة رسمية. ومع ذلك، يبقى الباب مفتوحًا أمام إيران لرفع القضية أمام محكمة العدل الدولية أو عبر آليات الجمعية العامة للمطالبة بالتعويضات واسترداد حقوق الضحايا.
📌 الخيارات القانونية المتاحة أمام طهران:
بعد الاعتراف العلني للرئيس الأمريكي، أصبحت لدى إيران أرضية قانونية متينة للتحرك على المستوى الدولي. فالقانون الدولي لا يكتفي بإدانة العدوان، بل يُلزم الدولة المعتدية بتحمّل المسؤولية الكاملة عن نتائج فعلها وتعويض الدولة المتضررة.
📌 أولاً: إثبات المسؤولية الدولية
يُعدّ اعتراف ترمب بمثابة إسناد مباشر للفعل العدواني إلى الولايات المتحدة، لأن تصريحات رئيس الدولة تُعتبر من أقوى أشكال التعبير الرسمي عن موقفها.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة (1986) أن أقوال كبار المسؤولين، إذا كانت محددة وواضحة، يمكن أن تُستخدم كدليل قاطع على تورط الدولة في الفعل غير المشروع.
وبذلك، فإن قول ترامب إنه «هو من أمر وقاد الهجوم» يُشكّل إقرارًا قانونيًا رسميًا يمكن لإيران الاستناد إليه لإثبات أن العدوان منسوب إلى واشنطن وليس إلى إسرائيل وحدها.
📌 ثانيًا: مسار الدعوى أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)
يمكن لإيران أن تتقدم بدعوى تعويضات ضد الولايات المتحدة استنادًا إلى:
🔹المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة.
🔹القانون الدولي العرفي ومبدأ سيادة الدول.
🔹أو اتفاقية الصداقة لعام 1955 بين طهران وواشنطن، وهي نفسها التي استخدمتها إيران سابقًا في قضية العقوبات أمام المحكمة عام 2018.
لكن تبقى عقبة الاختصاص القضائي قائمة، لأن الولايات المتحدة انسحبت عام 1985 من الإعلان بقبول الولاية الإلزامية للمحكمة، مما يعني أن الدعوى لا تُقبل إلا إذا استندت إيران إلى معاهدة سارية تتضمن بند التحكيم أو الإحالة إلى المحكمة.
📌 ثالثًا: التعويضات الممكن المطالبة بها
في حال قبول الدعوى، يمكن لإيران أن تطالب بـ:
1. تعويضات مالية عن الخسائر البشرية والمادية، بما فيها الأضرار اللاحقة بالبنية التحتية والمنشآت النووية والمرافق المدنية.
2. تعويض معنوي يتمثل في اعتذار رسمي أو إدانة قانونية للولايات المتحدة.
3. ضمانات بعدم التكرار، وهي تدابير إصلاحية لردع أي عدوان مستقبلي.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الإيرانية يتجاوز 500 مليار دولار، بينما بلغ عدد الضحايا أكثر من ألف شهيد وخمسة آلاف جريح، وفق الإحصاءات الرسمية الصادرة في طهران.
📌 رابعًا: بدائل مكملة للتحرك القانوني
في حال تعذّر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، يمكن لإيران أن:
🔹تطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، استنادًا إلى قرار الاتحاد من أجل السلم (1950)، إصدار توصية أو طلب رأي استشاري من المحكمة حول شرعية العدوان.
🔹تفعّل مبدأ الولاية القضائية العالمية في بعض الدول الأوروبية لملاحقة المسؤولين عن العدوان.
🔹تستخدم آليات التعويض الأممية كالمطالبة بإنشاء صندوق خاص لإعادة إعمار المناطق المتضررة.
📌 خاتمة: من الاعتراف إلى الإدانة
إن اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بقيادته للهجوم على إيران يمثل لحظة فارقة على الصعيد الدولي، حيث يربط بين الفعل العدواني والمسؤولية القانونية للدولة. فبينما يحاول البيت الأبيض حماية موقفه عبر فيتو مجلس الأمن والسياسات التراكمية، يظل القانون الدولي واضحًا: كل دولة مسؤولة عن أفعالها وتتحمل نتائجها.
ومن هذا المنطلق، يحق لإيران المطالبة بالتعويضات المالية والمعنوية، ويظل الرأي العام الدولي والمتابعة القانونية الصارمة أدوات ضغط مهمة لضمان مساءلة من تورّط في العدوان، وتحقيق العدالة للضحايا والمدنيين المتضررين.
📌هل دفعت أميركا تعويضات لأحد،سابقا؟
لا، الولايات المتحدة الأمريكية لم تدفع تعويضات مباشرة لأي دولة أجرت عليها غزوًا أو تدخلًا عسكريًا بعد الحرب العالمية الثانية تقريبًا، باستثناء بعض الحالات الخاصة جدًا التي كانت مرتبطة باتفاقيات محددة أو تعويضات محدودة للأفراد. دعنا نوضح الأمر بدقة:
1️⃣ اليابان (بعد الحرب العالمية الثانية)
بعد استسلام اليابان عام 1945، لم تدفع الولايات المتحدة “تعويضات غزو” بالمعنى التقليدي.
بدلًا من ذلك، طبّقت اتفاقيات إعادة الإعمار والمساعدات الاقتصادية، أبرزها المساعدات المالية لإعادة بناء الاقتصاد الياباني من خلال خطة مارشال لآسيا وبعض القروض والتسهيلات، لكنها لم تكن “تعويضات عن الحرب” مباشرة.
اليابان أيضًا دفعت تعويضات لدول أخرى مثل الفلبين وإندونيسيا وكوريا في عقود لاحقة عن جرائم الحرب، لكن ذلك كان بضغط دولي وليس مقابل دفع من أمريكا.
2️⃣ فيتنام (حرب فيتنام 1955-1975)
الولايات المتحدة لم تدفع أي تعويضات رسمية لفيتنام بعد الحرب، رغم الخسائر الهائلة.
هناك برامج مساعدات إنسانية وبيئية لاحقًا لتطهير الأرض من الألغام ومواد Agent Orange، لكنها لم تكن تعويضات رسمية عن الحرب.
3️⃣ بنما (غزو 1989)
الولايات المتحدة لم تدفع تعويضات لأي حكومة أو مواطن في بنما بعد غزوها لإسقاط نورييغا.
أي أضرار للأفراد كانت تُطالب عبر المحاكم الأمريكية في حالات فردية، لكن لم يكن هناك صندوق رسمي للتعويضات كما حصل مع العراق والكويت.
📌أمريكا ترفض دفع تعويضا لنيكاراغوا.
في قضيةنيكاراغوا( الحرب الأهلية والكونترا 1980)
الولايات المتحدة تمثل الطرف المعتدي في هذه الحالة (دعم الكونترا)،ولكن لم تدفع أي تعويضات رسمية لنيكاراغوا.
فمحكمة العدل الدولية حكمت ضد الولايات المتحدة عام 1986 لتعويض نيكاراغوا، لكن أمريكا رفضت الالتزام بالحكم.
حيث صدر حكم من International Court of Justice (ICJ) لصالح نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة.
🔹 ما حكمته المحكمةلنيكاراغوا؟
في الحكم الصادر بتاريخ27 يونيو 1986، قضت المحكمة بأن الولايات المتحدة “تحت obligation للدفع تعويضات” لنيكاراغوا عن الأضرار التي سبّبتها بأنشطتها العسكرية و البارا‑عسكرية.
لكنها لم تقُد بعد إلى تحديد المبلغ النهائي في الحكم ذاته، وقرّرت أن “شكل ومقدار مثل هذه التعويضات، في حال عدم اتفاق الطرفين، سيُحدَّد لاحقاً”.
🔹 ما المبلغ المَطلوب تقريباً؟
بحسب وثائق نيكاراغوا، قدّرت في أحد المرفقات “خسارة صافية محتملة” بما يقارب US$ 2,546.4 مليون (≈ US$ 2.546 مليار) حتى 1988، كخسائر ناتجة عن فقدان إمكانات التنمية بسبب الأعمال الأمريكية.
كذلك نُقِل أنه “وفقاً للتقديرات في مارس 1988، بلغت قيمة الأضرار المقدّرة نحو US$ 12 مليار” — وهذا الرقم لا يشمل الأضرار التي تلت ذلك.
وفي تصريحات برلمانية لاحقة، طالبت نيكاراغوا أن الولايات المتحدة تدفع حتى US$ 17 مليار كتعويضات عن الأضرار الكلية.
🔹 لماذا لم تُنفّذ؟
الولايات المتحدة رفضت الاعتراف بولاية المحكمة في هذا النزاع أو شاركت بفعالية في مرحلة تحديد مبلغ التعويضات.
🔹نيكاراغوا رسمياً أعلنت أنها “لم تتخلّ عن حقها في التعويض” وأن ما يُسمّى “الديون التاريخية” ما زالت قائمة حتى اليوم.
📌 الخلاصة:
🔹الولايات المتحدة لم تتبع سياسة رسمية لدفع “غرامات أو تعويضات” للدول التي غزتها منذ الحرب العالمية الثانية.
🔹الاستثناء الوحيد تقريبًا لدفع تعويضات من حكومة غازية و معتدية لدولة أخرى في العالم الحديث كان العراق بعد حرب الخليج 1991، لكن هنا كانت الأمم المتحدة هي التي فرضت التعويضات،وتم دفعها بالتمام والكمال.
🔷 ملحق 1️⃣:
الخسائر المادية
تقدّر الخسائر المادية لإيران بنحو 500 مليار دولار وفقًا لتقرير موقع يورونيوز
زر الذهاب إلى الأعلى