الرئيسيةالمقالات

اللعبة المزدوجة: كيف يحافظ الصدريون على توازن المستحيل؟

اللعبة المزدوجة:
كيف يحافظ الصدريون على توازن المستحيل؟

علاء الطائي

. مقدمة —
لغز الصمود في وجه التناقض

١- بداية استفهامية —
كيف يمكن للتيار أن يمسك بمفاتيح السلطة ويحافظ في الوقت ذاته على شرعيته كقوة ثورية معارضة؟
هذه ليست “معضلة وجودية” بل هي “استراتيجية بالغة التعقيد” أتقنها التيار الصدري ببراعة.

٢- التشبيه الجديد —
التيار الصدري ليس مناضلاً وقع في فخ بل هو “بهلوان سياسي” يمشي على حبل مشدود بين قمتي السلطة والثورة دون أن يسقط.. قانون “سانت ليغو” هو مجرد ريح عاتية تحاول إسقاطه لكنه حتى الآن يحافظ على توازنه المذهل.

. العرض –
تشريح ظاهرة “التماسك في قلب التناقض”

٣- الأطروحة المركزية —
الصدريون لا يعانون من أزمة بل هم أسياد “اللعبة المزدوجة”.. إنهم يرفضون الاختيار بين الثورة والسلطة لأنهم يريدون كليهما.. وقد بنوا هيكلية فريدة تمكنهم من ذلك.

٤- أسرار التماسك —
· الزعيم الكاريزمي –
ليست مجرد “توجيهات” عادية بل هي نظام “ولاية” ومرجعية دينية-سياسية متشابكة تجعل القرار فوق النقاش.. هذه ليست ديكتاتورية بل هي “عقد اجتماعي” فريد بين قائد وأتباعه.
· الذاكرة الجمعية للتجربتين–
أولاً خبرة الثورة “2006-2008” ثانياً خبرة السلطة “2016-2022” خلقتا جيلاً قيادياً “مناعاً” يعرف كيف يمسك بالسلطة وكيف يتخلى عنها تكتيكياً دون أن يفقد رصيده الثوري. التخلي عن السلطة في ذروة القوة “2022” كان أقوى رسالة.
“نحن لسنا جائعين للكراسي مثل الآخرين”.
· الشبكة التنظيمية الهائلة–
التيار ليس حزباً تقليدياً بل هو “دولة داخل دولة” – مدارس مستشفيات جمعيات خيرية أجهزة إعلام… هذه البنى التحتية توفر مناعة ذاتية ضد التمزق العضو لا يخسر مقعده البرلماني فقط إذا انشق بل يخسر هويته ومجتمعه وشبكة الأمان الخاصة به.

٥- كيف يتعامل التيار مع قانون “سانت ليغو”؟
ليس معضلة بل كفرصة جديدة للعبة المزدوجة
· المنطق الصدري –
لماذا تختار بين المشاركة والمقاطعة؟
يمكننا أن نخترع خياراً ثالثاً. المشاركة الانتقائية أو الدخول بحكومة ظل أو استخدام العملية الانتخابية كمنصة للخطاب الثوري دون الالتزام بنتائجها.
· الرهان الحقيقي –
رهانهم ليس على المقاعد في البرلمان بل على “رأس المال الرمزي”.. كل حركة يقومون بها تحسب بدقة للحفاظ على صورتين متزامنتين:
. “الورع الأخلاقي” في عيون أنصارهم
.و”اللاعب الذي لا يمكن تجاوزه” في عيون الخصوم والدول.

٦- لماذا لم ينقسم التيار؟
الإجابة في “العدو المشترك”
· كل الأجنحة “الثورية والعملية” تتحد أمام سقفين –
.الولاء للزعيم
.ورفض الإطار التنسيقي.
طالما بقي هذان العاملان فالباب مسدود أمام أي انقسام جدي.
الخروج من التيار يعني الخروج إلى العدم السياسي.

٧- قلب المعادلة –
من يخاف من من؟
السؤال الحقيقي ليس “هل أزمة التيار الصدري ستؤدي إلى انهياره؟”
بل هو “لماذا كل القوى التقليدية والإقليمية لا تزال ترتجف من غضب هذا التيار ؟”

. الجواب —
لأن الصدريين يمتلكون ما لا تمتلكه أي قوة أخرى.
· الشرعية المزدوجة–
–شرعية صناديق الاقتراع
–و شرعية الشارع.
· القدرة على قلب الطاولة – يستطيعون في أي لحظة تحويل اللعبة السياسية من ديمقراطية تمثيلية إلى ثورة شعبية.
· المرونة الاستراتيجية –
هم الوحيدون الذين يمكنهم الفوز في الانتخابات ثم مقاطعتها ثم الدخول إلى البرلمان ثم الانسحاب منها دون أن يخسروا نواتهم الصلبة.

٨- الكلمة الأخيرة —-
الصدريون لا يعالجون “معضلة ” بل يصنعون منطقهم السياسي الخاص… تحديهم الحقيقي ليس في البقاء “فهم أسياد في ذلك” بل في تحويل هذه القوة الهائلة إلى مشروع دولة عندما تسنح الفرصة القادمة.
حينها سنعرف إذا كان “البهلوان” قادراً على أن يبني من على الحبل قصراً أم أنه سيقفز إلى الحبل التالي.

خاتمة —
من سردية الأزمة إلى لغز القوة الغامضة
في الختام يتجاوز تحليلنا النقاش التقليدي المحاصر بـ “أزمة التيار” ليكشف اللغز الأعمق –
لماذا يفشل النموذج التحليلي التقليدي في استيعاب الظاهرة الصدرية؟
ما توصلنا إليه لا يقتصر على تفسير تماسك التيار الصدري بل يُجلي نموذجاً تنظيمياً وسياسياً فريداً يستحق أن يكون مادةً لدراسات أكاديمية في علوم السياسة.
لقد انتقلنا من سردية “الأزمة الوجودية” إلى سقف تحليلي أعلى هو سردية “القوة الغامضة” – تلك القوة التي يقف العقل السياسي التقليدي عاجزاً عن فهمها لمجرد أنها لا تشبه أي نموذجٍ سابقٍ في قاموسه.

إنها قوة لا تُقاس بعدد المقاعد البرلمانية بل بقدرتها الفريدة على اختراق الأضداد والتموقع في قلب تناقضاتها:
.السلطة والثورة..
. الداخل والخارج..
. المؤسسة والشارع..
هذه القدرة على احتضان التناقض وإدارته ببراعة – لا كأزمة بل كاستراتيجية – هي التحدي الأعظم الذي تواجهه كل القوى المنافسة وهي الرسالة التي تثبت أن التيار الصدري لا يزال يمسك وبيدٍ ثابتة بمفاتيح اللعبة الأصعب في العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار