الرئيسيةالمقالات

السيادة في العراق: بين وهم التحرير وحقيقة العبودية الطوعية

السيادة في العراق: بين وهم التحرير وحقيقة العبودية الطوعية

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

​إنَّ التساؤل عن مفهوم السيادة في العراق تجاوزَ حدود النقاش السياسي ليصبحَ بحثاً وجودياً عن حقيقة الأغلال التي تُقيد القرار والمصير. لقد أثبتَ الواقعُ المريرُ أنَّ السيادة الوطنية لم تُفقد بفعل قوة قاهرة واحدة، بل قُسّمت ووُزعت كغنيمةٍ بين طبقة سياسية تابعة، ومحاور إقليمية متصارعة، ومنظومة دولية مستفيدة. فـ “السيد” الذي يتحكم بمقدرات البلاد اليوم ليس كياناً غريباً فحسب، بل هو شبكة مُحكمة من المصالح المحلية والخارجية تتقاطعُ لتضمنَ استدامةَ التبعيةِ والاحتواءِ.
​لقد أُغلقت جميعُ أبوابِ التحررِ والإصلاحِ التي يُفترضُ أن تكونَ متاحةً للشعب. فالمنظومةُ السياسيةُ ذاتها هي منظومةُ احتواء؛ حيث لا توجدُ معارضةٌ حقيقية، بل مجردُ قوى ترفعُ شعاراتِ “التحريرِ والمقاومةِ” لتثبيتِ وجودِها في جولةِ التوافقِ والمحاصصةِ التالية. أمّا المؤسساتُ التي يُعوَّلُ عليها، فهي إمّا مُسيَّسةٌ بالكامل (كالإعلام والتعليم) لتكريسِ الوعي الزائفِ والترويجِ للحاكمِ، أو مُحايدةٌ ومواليةٌ (كالمنظومة الدينية) لتوفيرِ الغطاءِ الأخلاقيِ للنظامِ التابع. والأكثرُ قسوةً هو أنَّ الاقتصادَ نفسَهُ أصبحَ أداةً للقمع، حيثُ لا يُسمحُ للعملِ الخاصِ بالنموِ إلا بولاءٍ ونفوذٍ حزبي، مما يُنشئُ ما يُعرفُ بـ “العبوديةِ الرغيفية”، إذ يضمنُ السيدُ ولاءَ العبدِ مقابلَ قوتِ يومهِ. ولم تكتفِ المنظومةُ بالاحتواءِ الداخليِ، بل حصَّنت نفسَها بـ “الشرعنةِ الدوليةِ”؛ إذ يتعاطى المجتمعُ الدوليُ والمنظماتُ الأمميةُ مع هذهِ الحكوماتِ ليسَ بناءً على إرادةِ الشعبِ المرفوضةِ، بل بناءً على فائدتِها الأمنيةِ والاقتصاديةِ والولاءاتِ التي تُقدمُها.
​في ظلِ هذا الاحتواءِ الشاملِ، يصبحُ البحثُ عن حلولٍ خارجيةٍ أو داخليةٍ (كالانتخاباتِ ضمنَ نظامٍ مزيف) مجردَ وهمٍ يُطيلُ أمدَ العبودية. لم يتبقَ أمامَ الشعبِ العراقيِ المُثقلِ بالأغلالِ سوى طريقٌ واحدٌ للنهوضِ بذاتهِ: هو “التحررُ الصفري”، الذي يبدأُ بالرفضِ الشعبيِّ والجماهيريِّ والاجتماعيِّ المطلقِ لكلِ الشعاراتِ الزائفةِ التي ترفعُها تلكَ الأحزابُ والشخصيات، و إظهارِ الحقائقِ وتزييفِها بشكلٍ مستمرٍ ومنهجي. هذا التحررُ لا يأتي بالتوسلِ للسيدِ ليمنحَ الحرية، بل بالعملِ المُنظَّمِ واللامركزيِ لـ “جعلِ العبوديةِ مُكلفةً” وغيرَ مُجديةٍ للسيد. إنها مسؤوليةٌ جماعيةٌ تتطلبُ تكسيرَ حاجزِ الخوفِ عبرَ التنظيماتِ اللامركزية، والانسحابَ التدريجيَ من نفعِ “السيدِ” الاقتصاديِ والخدمي. وحدهُ الرفضُ الشعبيُ المُنظَّمُ والقائمُ على الوعيِ بـ “الاستغناءِ عن من لا يُستغنى عنا” هو الكفيلُ بانتزاعِ السيادةِ من براثنِ التبعيةِ وإعادةِ بناءِ الوطنِ من تحتِ الرماد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار