توزيع الثروات في العراق ومشكلة تنامي الطبقية
البروفيسور د.ضياء واجد المهندس رئيس مجلس الخبراء العراقي
منذ عقود، يشكّل ملف توزيع الثروات في العراق واحدة من أعقد القضايا التي تمس حياة المواطنين ومستقبل الدولة. فرغم امتلاك العراق واحداً من أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، وموارد طبيعية هائلة، إلا أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي يعكس فجوة متنامية بين طبقات المجتمع، بحيث تزايدت الطبقية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأصبحت تهدد السلم الأهلي والتنمية المستدامة.
أولاً: الثروات الوطنية بين الوفرة وسوء الإدارة
يُقدَّر إنتاج العراق النفطي بما يتجاوز 4 ملايين برميل يومياً، ما يدرُّ على البلاد عشرات المليارات من الدولارات سنوياً. ومع ذلك، لا ينعكس هذا الدخل الضخم على حياة غالبية الشعب. فبينما تستحوذ الطبقة السياسية والاقتصادية النافذة على القسم الأكبر من الثروة عبر شبكات الفساد والمحاصصة الحزبية، تبقى شريحة واسعة من العراقيين تعاني من البطالة، ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وتراجع البنى التحتية.
إضافة إلى النفط، يمتلك العراق موارد مائية وزراعية وصناعية لم تُستثمر بشكل فعّال، نتيجة الصراعات السياسية والاعتماد شبه المطلق على عوائد النفط.
ثانياً: تنامي الطبقية
تظهر ملامح الطبقية في العراق في عدة مظاهر يومية:
– توسع شريحة محدودة من الأثرياء المرتبطين بالسلطة أو بالاستيراد والتعاقدات الحكومية.
– تضخم المشاريع السكنية الفاخرة والمولات التجارية في مقابل اتساع العشوائيات ومساكن الفقراء.
– فجوة في الرواتب بين موظفي الدولة من ذوي الدرجات العليا أو العاملين في مؤسسات النفط، وبين بقية شرائح المجتمع.
– انتشار الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن بسبب غياب التنمية، ما يفاقم الفقر الحضري.
هذا التفاوت خلق شعوراً بالظلم الاجتماعي، خاصة أن الفقر في العراق لا يرتبط بندرة الموارد بل بسوء توزيعها.
ثالثاً: آثار الطبقية على المجتمع
تنامي الطبقية يترك آثاراً خطيرة على المجتمع العراقي، منها:
1. إضعاف الثقة بالدولة: إذ يشعر المواطن العادي أن الثروات محتكرة من قلة نافذة.
2. تعميق الانقسام الاجتماعي: حيث يتعايش الغنى الفاحش بجوار الفقر المدقع في مشهد يثير الاحتقان.
3. الهجرة والكفاءات: كثير من الشباب يفضلون الهجرة بحثاً عن فرص أفضل.
4. تراجع العدالة: غياب المساواة في الحصول على فرص العمل والتعليم والصحة.
رابعاً: مقترحات لمعالجة الخلل
– إصلاح النظام الاقتصادي: تقليل الاعتماد على النفط وتفعيل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة.
– مكافحة الفساد بجدية: من خلال أجهزة قضائية مستقلة وتشريعات رادعة.
– برامج حماية اجتماعية: دعم الفئات الهشة ببرامج سكن، منح بطالة، وتأمين صحي شامل.
– توزيع عادل للموازنات: ربط الإنفاق بالمحافظات وفق نسب السكان والحاجة التنموية.
– ضرائب تصاعدية عادلة: فرض ضرائب على الدخول المرتفعة لتمويل الخدمات العامة.
الخاتمة
إن مشكلة الطبقية في العراق ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة تراكمات من الفساد وسوء الإدارة والسياسات الخاطئة. الحل يكمن في إرادة سياسية حقيقية تعيد الاعتبار لمبدأ العدالة الاجتماعية وتضمن توزيع الثروات بشكل يحقق المساواة ويعيد الثقة بين المواطن والدولة. فالعراق بلد غني بثرواته، لكنه لن يكون غنياً حقاً إلا إذا انعكس هذا الثراء على حياة كل مواطن، لا على قلة محظوظة فقط.
البروفيسور د.ضياء واجد المهندس رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل (250)
تسلسل 9
زر الذهاب إلى الأعلى