الرئيسيةالمقالات

كثر الحديث عن التي أهواها: مارك سافايا بين ضجيج التغيير وحقيقة إعادة رسم التوازنات في العراق

كثر الحديث عن التي أهواها: مارك سافايا بين ضجيج التغيير وحقيقة إعادة رسم التوازنات في العراق

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

​في خضم التجاذبات التي تعتري المشهد العراقي، تبرز شخصية مارك سافايا، المبعوث الخاص والشخصي للرئيس دونالد ترامب ، لتثير لغطاً واسعاً حول طبيعة التدخل الأمريكي المستقبلي. لقد كثر الحديث عن هذا المبعوث، رجل الأعمال الأمريكي من أصل عراقي، الذي يفتقر إلى السجل الدبلوماسي التقليدي، فكان تعيينه يُنظر إليه على أنه مكافأة سياسية لداعم مالي بارز في حملة ترامب الانتخابية، ما يعكس توجهاً أمريكياً يقوم على النمط “المعاملاتي” في إدارة العلاقات الخارجية. هذا التوجه يجد أرضية خصبة في البيئة العراقية، حيث يُكافَأ الولاء الحزبي والسياسي بالمناصب والموارد، مما يرسخ مبدأ المحاصصة.
​إن غياب الخبرة السياسية لسافايا وحضوره القوي كرجل أعمال مقرب من سُدة القرار يشي بأن الأولوية الأمريكية ليست في الإصلاح المؤسسي العميق، بل في إعادة ضبط التوازنات الاقتصادية والمالية على الساحة العراقية. فالمهمة الجوهرية لسافايا لا تكمن في محاربة الفساد بصورة جذرية، بل في تقنين حصص الفاعلين والسيطرة على تدفق الأموال، لضمان أن المغانم الاقتصادية تُدار وتُوزع بشكل يخدم المصالح الجيوسياسية العليا للولايات المتحدة في مواجهة القوى الإقليمية. هو إذن مبعوث لإعادة التنظيم القسري للساحة المالية، وليس مبعوثاً للإصلاح الوطني.
​هذا التهويل الإعلامي المصاحب لتعيين سافايا، وما يروج له البعض من كونه مفتاح التغيير، يُعد في حقيقته تخديراً للوعي الوطني العراقي؛ إذ يصب في خانة الوهم بانتظار الحل الخارجي، مما يعيق أي حراك شعبي أو وطني لإيجاد حلول ذاتية للإصلاح. وقد أدى هذا التعيين إلى تسارع في وتيرة تبديل الولاءات بين الطامحين للمناصب العليا، خاصة رئاسة الوزراء. فبدأت الوجوه السياسية تتسابق على إظهار التبعية للولايات المتحدة علناً، وتدّعي مناهضة المحور الإيراني، ليس قناعةً، بل لارتداء “ثياب جديدة” تتناسب مع الأجندة الأمريكية المنشودة وضمان حصتها في التوازنات المالية التي سيشرف عليها سافايا. هذا التكيف السريع لا يمثل تغييراً في جوهر الممارسة السياسية، بل هو مجرد تغيير في الواجهة لضمان استمرار النفوذ.
​وفي الختام، يظل التغيير المنشود في العراق أسير جدلية التناقض بين ضجيج التصريحات الخارجية وسعي الساسة لتغيير ولائهم الظاهري. وكما تغنى كاظم الساهر: “كثر الحديث عن التي أهواها”، وسيبقى الإصلاح الحقيقي حلماً بعيد المنال ما لم ينبع من إرادة وطنية جامعة، تتجاوز دائرة المبعوثين والصفقات الخارجية وتعتمد على مقومات القوة الداخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار