الرئيسيةالمقالات

التعليم ..بين التنظيم و التوهيم

التعليم ..بين التنظيم و التوهيم

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي

الإعلام الرسمي يُفيد بأنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصدرت أمرًا وزاريًا في 28 تموز 2025 لاستحداث كليتي “التميّز” و”الذكاء الاصطناعي” ضمن جامعة بغداد اعتبارًا من العام الدراسي 2025–2026 .

الكلية الأولى “التميز” تتضمن: نظم المعلومات التطبيقية، علم البيانات، إدارة الأعمال التجارية الإلكترونية، المحاسبة والمصارف، الفلسفة، وعلم الاجتماع.
والثانية “الذكاء الاصطناعي” تشمل: التطبيقات الهندسية، التطبيقات الطبية الحيوية، والبيانات الضخمة .

تم الإعلان أن الإطلاق الفعلي سيكون بداية أيلول 2025، وهو ما يمكن اعتباره “لمسة زر”: حدث إعلامي مبهر، لا خلفه أي بنى تحتية جديدة أو مختبرات متطورة حتى الآن .

دعم الإعلان الإعلامي متميز مثلًا:

شروط قبول صارمة (معدلات عالية، اختبار لغة إنجليزية…) .

وعود بمكافآت شهرية للطلاب تصل إلى 200,000 دينار بحسب بعض المصادر .
لكن في واقع الحال؟ لا مختبرات، ولا بنى تحتية ولا كوادر جديدة معلنة. القصة تطالعنا كعرض كلامي فقط.

لماذا لا تتحول الكليات فعلاً إلى جامعات — وبدون سحر — بل بخطة واضحة؟

1. بناء حقيقي: مبان ومعدات وخطط واضحة

الكليات لا يمكن أن تتحول إلى جامعة إلا إذا توفرت مرافق حديثة (مختبرات، مكتبات، مباني تعليمية…).

يجب وجود خطة زمنية مدروسة لبناء المرافق، وليس تجميع أثاث مهترئ ونقل بعض الأقسام من كلية أخرى.

2. تخطيط أكاديمي وسوق العمل

التخصصات تحتاج لأطر تنظيمية أكاديمية واضحة:
هيكلية الأقسام، مجلس علمي، شهادات وبرامج معتمدة.

يجب دراسات سوق موثقة:
هل هناك طلب فعلي على التخصصات مثل علم البيانات أو الذكاء الاصطناعي داخل العراق؟ وهل سوق العمل مستعد لاستيعابهم؟

3. استقلالية إدارية وأكاديمية

حتى تصبح “جامعة” حقيقية: تحتاج إلى استقلال مالي وإداري، مجلس أمناء، عمادات، وربما نظام قبول منفصل عن “الأم” (جامعة بغداد).

نقل اسم “جامعة التميز” بدون استقلال حقيقي يظل مجرد تغليف إعلامي.

4. الموارد والاعتمادات الأكاديمية

إنشاء برامج دراسات عليا (ماجستير/دكتوراه) يتطلب اتفاقيات مع جامعات دولية، هيئة اعتماد وطنية، وموارد بحثية.

يجب تفعيل هذه البرامج عملياً، وليس مجرد وعد بإمكانياتها في التصريحات الإعلامية.

5. الشفافية والمساءلة

المناقشة العامة يجب أن تشمل: أين التقييم الرسمي للخطط؟ وأين التقدم الفعلي؟
كيف يُحاسب المشروع على التنفيذ أو الفشل؟

مثال تخيلي لخطة تنفيذية واقعية:

المرحلة المكونات العملية

أ. التحضير (2025) تعيين عميد وأعضاء هيئة تدريس، تحديد البناء المطلوب، توقيع اتفاقيات تمويل، جدولة مواعيد الإنشاء
ب. العام الدراسي 2025–2026 قاعات مؤقتة وتحويل الطلبة للمقر، تجهيز مختبرات نمطية، تدريب أعضاء هيئة التدريس، إطلاق أول دفعة
ج. التمكين التدريجي (2026–2028) بناء الكليات، تأسيس مكتبات ومراكز بحث، إطلاق برامج الدراسات العليا، توظيف خريجين في القطاعين العام والخاص
د. الاستقلال الكامل (منذ 2028) الإدارة المالية المستقلة، القبول المركزي الخاص، الاعتماد الأكاديمي الواسع، توسعة أوعية البحث العلمي

إذًا، الترويج الإعلامي بالكليتين يشبه السحر الرخيص: مجرد تصريحات جوفاء تخطف الأضواء بدون بنيان أو خطة واضحة. لن يتحول الأمر إلى جامعة إلا بجهد جاد، موارد مادية وبشرية، خطط واقعية، ومتابعة شفافة ومسؤولة. وفي غياب ذلك، سيبقى الأمر مجرد لافتة مزخرفة تصطف في الإدارات، وليس في كتب الإنجازات الحقيقية.

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
#مرشح مستقل
#قائمة البديل (250)
تسلسل 9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار