الحكومة الأهلية..
(حلم الشعب في ظل دولة الخدمات الغائبة)
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
في خضم الضجيج السياسي والمشاريع الحكومية التي تتوشح بعبارات “الإنجاز العظيم”، يخرج صوت المواطنة خاچية ليفضح الواقع كما هو: مجسّرات جديدة، أرصفة لامعة، وإعلانات عملاقة عن الإعمار، بينما البيوت تغرق في الظلام، والمستشفيات تئن، والشوارع تتحول إلى بحيرات مع أول مطر. يشبه أحدهم هذا المشهد بعملية تجميل أنف لمريض يعاني فشلاً كلوياً وسرطان دم وعجزاً في القلب. تشبيه موجع، لكنه دقيق، لأنه يختصر حالة الدولة العراقية الحديثة التي تُعالج ظاهرها وتترك جوهرها مريضاً.
الفكرة التي طرحها المواطن الساخط — تشكيل “حكومة أهلية” و*”مجلس نواب أهلي”* — ليست مجرد سخرية، بل صرخة احتجاج راقية تعبّر عن عمق الإحباط الشعبي. فكما ظهرت الجامعات والمدارس والمستشفيات الأهلية والشركات الأمنية الاهلية حين فشلت نظيراتها الحكومية في أداء واجبها، يبدو أن فكرة “التمثيل الأهلي” تأتي كردّ طبيعي على فشل المنظومة السياسية الرسمية في تلبية أبسط احتياجات الناس.
تقوم الفكرة على أن المواطن لم يعد ينتظر من الدولة شيئاً، بل بات مستعداً أن ينظّم نفسه، أن يدفع ألف دينار شهرياً ليموّل نائباً حقيقياً يخدمه، لا نائباً يختبئ خلف حراسة مشددة ويعيش في عالم آخر. النائب الأهلي، في هذا التصوّر، لا يُلقي خطباً تحت قبة البرلمان، بل يوزّع السلال الغذائية، ويصلح الشوارع، ويشغّل المولدات، ويكون قريباً من الناس لا بالكلام، بل بالفعل.
إنها ثورة فكرية هادئة، لا تدعو إلى إسقاط الدولة، بل إلى إحياء معناها الحقيقي. فالحكومة ليست بناية ضخمة ولا موكب سيارات مصفحة، بل هي خدمة، وكرامة، وصدق في تمثيل إرادة الناس. عندما تتحول الدولة إلى عبء، يصبح من الطبيعي أن يبحث الناس عن بديل شعبي، بديل “أهلي” يرمم ما تهدّم.
ومع أن الفكرة قد تبدو خيالية أو رمزية، إلا أنها تعكس تحولاً خطيراً في وعي الشارع العراقي: لم يعد المواطن يثق في الطبقة السياسية، بل بدأ يفكر في إدارة شؤونه بنفسه. هذه ليست مزحة، بل مؤشر على انهيار الثقة بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والدولة.
إن أخطر ما في “الحكومة الأهلية” ليس أنها مشروع موازٍ للدولة، بل أنها مرآة مؤلمة تكشف فشل الحكومة الرسمية في أن تكون “أهلية” بالمعنى الأخلاقي والوطني. فالدولة التي تترك مواطنيها يبحثون عن بدائلها، هي دولة فقدت مبرر وجودها.
ختاماً، لعل صرخة “هتفت خاچية” ليست سوى دعوة مفتوحة للتفكير بجدّ:
هل نريد دولة تتفاخر بالمجسرات والمشاريع الشكلية، أم دولة تُجسّر الثقة بين المواطن والحكومة؟
فما فائدة صبغ الجدران، إن كانت الأرواح تذبل خلفها؟
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل (250)
تسلسل (9)
زر الذهاب إلى الأعلى