اللحظة الأخيرة.
عفاف البعداني.
كان الموت يتربص عند عتبة الباب، لا شبحا مخيفا، بل كضيف ثقيل ينتظر الإذن بالدخول، وهي لم تكن مشغولة به، بل بمن قاسمته جل حياتها، يده بين كفيها الواهنتين، وعيناها الغائمتان لا تريان سواه، اقترب منها، لا جسدا بل روحا، واقترب سؤالها، كأمنية أخيرة تخرج من أعماق الروح، يحمل ثقلها عمرا من التساؤلات المكبوتة:
(أريد أن أعرف قبل أن أغادر هذا العالم… قل لي الحقيقة، يا وحيد… هل يسع قلب الرجل أن يحب أكثر من امرأة في وقت واحد؟ قلها لي بصدق، فبعد قليل سأنتقل إلى اليقين، وسأرى كلَّ شيء بوضوح لا يخفى).
تلكأ صوته، كمن يحاول أن يجمع شتات الحقيقة في قبضة لا تليق بقدسية اللحظة، نبرة منه يملؤها الأسى، ممزوجة بحب لا ينكر، خرجت كلماته متقطعة، كأنها تخشى أن تجرح روحا على وشك الرحيل: ” قلب الرجل، يا سلمى، كبيت واسع، له غرف ومنازل… وأنت…”
•قاطعته، لا بغضب، بل بيقين أصفى من ماء الينابيع، وبنفس أخير خرج كزفرة وداع:
“أما أنا… فلي قلب واحد، وروح واحدة وعشق واحد، لم يتسع إلا لك، ولم يسكنه سواك، نعم، قلبي واسع ، لكنه اتسع لك وحدك، فملأته.”
ثم أسلمت روحها، و ارتخت يدها ببطء من قبضته.
وبقي هو، يحمل في صدره قلبا واسعا، لكنه لم يمت بعدها…
زر الذهاب إلى الأعلى