مدارس “القرون الوسطى” في سبع قصور: عندما يتحول العهد الانتخابي إلى خيانة وطنية!
26/أيلول/2025
بقلم: عدنان صگر الخليفه
في الوقت الذي يتغنى فيه الإعلام ليل نهار بـ “إنجازات” الحكومة وخدماتها المزعومة، متجاهلاً الحقيقة البائسة على الأرض، تعيش مناطق بأكملها مثل سبع قصور واقعاً أشبه بالمناطق المنكوبة، الممحوة من الوجود، لا تمتلك الحق في العيش الكريم ولا التعليم اللائق لأبنائها. إن هذه المنطقة المكتظة التي تضم عشرات الآلاف من الأسر، لا تزورها أي جهة رسمية إلا حين يحين موعد الانتخابات، لتُغرق بوابل من الوعود، ومن ثم تُترك فريسة للإهمال بعد الفوز، تماماً كما جرى في انتخابات 2021 وما سبقها. فاليوم، يجد الأهالي أنفسهم أمام مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الفائزين عن دائرتهم الانتخابية، ومنهم دولة رئيس مجلس الوزراء، السيد محمد شياع السوداني، والنائب الشيخ محمد الصيهود، اللذان زارا المنطقة وقدما الوعود، ولكنهما تركاها الآن تئن تحت وطأة نظام تعليمي لا يمت بصلة إلى العراق الحديث.
الوضع التعليمي في سبع قصور هو دليل إدانة على التمييز الطبقي والمؤسساتي؛ فلا تمتلك المنطقة مدرسة حقيقية من الطابوق سوى بناء وحيد متهالك يعود تأسيسه إلى الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي. أما باقي المدارس فهي ثلاث أو أربع مدارس كرفانية بالكامل، تعمل بآلية استنزاف قاسية حيث تقوم كل منها بمهام ثلاث مدارس (دوام لثلاث وجبات) في مكان واحد. النتيجة هي اكتظاظ كارثي، يتكدس فيه أكثر من ستين (60) طالباً في الصف الكرفاني الواحد. لقد تحولت “مدرسة المستقبل” في سبع قصور إلى مثال أبشع؛ فقد أوقف الدوام بها في عام 2024 بوعود صريحة بإنجازها في عام 2025، وها نحن على أعتاب العام الدراسي 2025-2026، والمشروع متوقف تماماً، ليرمز إلى الخيانة السياسية.
إن التناقض يزداد مرارة عندما نطرح الأسئلة: ما هي وظيفة وزارة التربية ومحافظة بغداد إذن؟ هل يقدمون تقارير دورية عن هؤلاء الطلاب؟ إن مدارسنا لا تفتقر فقط إلى الكوادر والأدوات التعليمية، بل إن كثافة الصفوف تجعل العملية التعليمية مستحيلة؛ فلا يمكن لمعلم أو مدرس أن يشرح درساً أو يقف على السبورة في صف يتجاوز الـ 60 طالباً. وفي ظل هذا الواقع المنهار، كيف يمكن لهذه الحكومة أن تتحدث عن بناء أجيال تتباهى بها أمام العالم وتشارك في بناء “حضارة عراقية”؟
الأمر لا يتعلق ببطء الإنجاز فحسب، بل يتجاوزه إلى ثقافة الإهانة؛ فعندما يسأل الأهالي عن سوء الخدمات، يكون الرد من محيط المسؤولين بأن “يجب أن تحمدوا الله وتشكروه”، وكأن الخدمات تُمنح كصدقة وليست حقاً ممولاً من أموال الشعب العراقي. إن أهالي سبع قصور يطالبون اليوم بإنجاز “مدرسة المستقبل” فوراً، وإنهاء ملف المدارس الكرفانية. إن منطقتهم بحاجة إلى رئيس وزراء يفي بالعهد.
لكن يبقى السؤال الأعمق والأكثر إيلاماً يطرح نفسه بقوة على المشهد السياسي العراقي: هل الهدف من إبقاء مناطقنا الشعبية المكتظة في هذا المستوى من الإهانة والجهل هو ضمان بقاء هؤلاء السياسيين في مناصبهم، بشراء ذمم أجيال أُجبرت على أن تبقى غير متعلمة؟
زر الذهاب إلى الأعلى