الرئيسيةالمقالات

بين HEPIQ والموازي: كيف تخلّت وزارة التعليم عن مجانيّة التعليم العالي؟

بين HEPIQ والموازي: كيف تخلّت وزارة التعليم عن مجانيّة التعليم العالي؟

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي

شهدت الأيام الماضية إطلاق حملة طلابية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل الجامعات العراقية، طالبت وزير التعليم العالي والبحث العلمي جحيم العبودي بإلغاء تطبيق “HEPIQ”، الذي فُرض على الطلبة بواقع 66 ألف دينار سنويًا تحت عنوان “منصة تقييم جودة التعليم”.

ورغم أن الرقم يبدو بسيطًا للبعض، إلا أن رمزيته تعكس انحدارًا خطيرًا في فلسفة التعليم العام بالعراق، وتحويله التدريجي إلى خدمة تجارية مدفوعة، خلافًا لما نص عليه الدستور العراقي في المادة (34)، بأن “التعليم مجاني في كل مراحله، وتكفله الدولة”.

❌ منصة بغطاء “جودة” لكنها تُحمِّل الطالب الفاتورة

يُبرر مسؤولو الوزارة إطلاق التطبيق بأنه “أداة لرفع كفاءة العملية التعليمية”، لكن لا أحد يشرح لماذا يُجبر الطالب على دفع أجور إضافية لمجرد تسجيل حضوره أو تقييمه.
هل صارت “الجودة” سلعة مفروضة؟ ولماذا لا تتحمل الوزارة نفسها هذه التكاليف، وهي المسؤولة عن العملية برمّتها؟

لقد تحوّل الطالب من متلقٍّ للعلم إلى زبون، ومن “صاحب حق دستوري” إلى مشترك يدفع اشتراكًا سنويًا بلا أيّ مردود ملموس، ما يُعيد للأذهان سياسات الخصخصة الناعمة التي طالما أنكرها مسؤولو التعليم.

💰 سياسة “الموازي”… باب خلفي للتربّح

منصة HEPIQ ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التجاوزات على مبدأ التعليم المجاني. فسياسة القبول في “التعليم الموازي” تحوّلت من خيار محدود إلى مسار عام مفروض على آلاف الطلبة، بسبب التلاعب بعدد المقاعد وتخفيض معدلات القبول النظامي.

وفي أغلب الجامعات، أصبحت المقاعد المجانية أقلية، بينما يُجبر أغلب الطلبة على دفع ملايين الدنانير سنويًا في التعليم الموازي، رغم أنهم خريجو مدارس حكومية ومواطنون لا ذنب لهم إلا أن التعليم “لم يعد لهم”.

الوزارة لا تكتفي بجعل القبول الموازي واقعًا، بل تتباهى أحيانًا بزيادة أعداد الطلبة المقبولين فيه، وكأنها تحقّق إنجازًا وطنيًا، بينما الواقع يقول إن التحصيل العلمي بات مرهونًا بالمقدرة المالية، لا بالمعدلات ولا الكفاءة.

🏫 الجامعات الأهلية: سوق بلا رقابة

في موازاة ذلك، نشهد توسعًا عشوائيًا في عدد الجامعات والكليات الأهلية، التي تكاد تتكاثر كالفطر دون ضوابط علمية حقيقية. كثير منها بلا مختبرات، بلا أساتذة أكفاء، بلا بحث علمي، لكنها تملك علاقات مع الوزارة تكفي لنيل الإجازة والموافقة والتسويق.

ومع ذلك، لا تتحدث الوزارة عن أي مراجعة أو تصنيف موضوعي لهذه المؤسسات، بل تُدرجها رسميًا ضمن خيارات القبول وكأنها خيار طبيعي، في حين يعرف الجميع أن كثيرًا من هذه الجامعات لا تخرّج سوى بطالة مؤجلة.

فهل هذه هي “جودة التعليم” التي تتحدث عنها الوزارة؟
وهل يُعقَل أن يُحاسب طالب جامعي على 66 ألف دينار لتقييم الأداء، بينما الأداء الحقيقي للوزارة يُعاني من تراجع واضح في البنية، والمخرجات، والفرص؟

📢 صوت الطلبة: حملة بدأت ولن تتوقف

الحملة الطلابية ضد تطبيق HEPIQ ليست فقط رفضًا لتكلفة صغيرة، بل صرخة ضد التراكم الممنهج للجباية المقنّعة، وضد غياب العدالة في التعليم.
لقد وعى الطلبة أن ما يُؤخذ منهم ليس “تحسين خدمة”، بل تمهيد لخصخصة التعليم العالي خطوة بعد خطوة.

ويبدو أن الوزارة نسيت أو تناست أن الطلاب ليسوا أرقامًا في جداول مالية، بل هم مواطنون وحقوقيون واعون، يعرفون الدستور جيدًا، ويُدركون أن التعليم حقّ لا يُباع بالتقسيط ولا يُؤخذ على دفعات عبر التطبيقات.

✊ التعليم المجاني ليس شعارًا

منصة HEPIQ، ورسوم الموازي، وتضخم الجامعات الأهلية، كلها أعراض لمرضٍ أكبر: تآكل مجانية التعليم في العراق، وتحويله من مشروع وطني إلى سلعة.

على وزارة التعليم العالي أن تراجع نفسها قبل أن تطالب الطلبة بتقييم أدائها. فالتعليم الجيد لا يحتاج تطبيقات مدفوعة، بل يحتاج إدارة وطنية صادقة، وتخطيطاً يستند إلى العدالة، لا إلى الجباية.

🧾 المطالب العاجلة التي يرفعها الطلبة:

1. إلغاء منصة HEPIQ فورًا واعتبارها خرقًا لمبدأ التعليم المجاني.

2. إعادة النظر في التعليم الموازي وتقنينه ضمن معايير منصفة.

3. وضع حد للتوسع الفوضوي للجامعات الأهلية التي باتت تبتلع الأمل والمال بلا مردود علمي.

4. إعلان واضح من الوزارة يلتزم نصًا وروحًا بالدستور: “التعليم مجاني، والتكلفة على الدولة لا على الطالب”.

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
# مرشح مستقل
# قائمة البديل (250

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار