الخير والشر في السياسة الدولية: بين الشعارات وقانون الغاب
20/ايلول/2025
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
هل مفاهيم الخير والشر، والدفاع عن النفس، وحقوق الإنسان هي مبادئ عالمية ثابتة لا تتغير، أم أنها مجرد أدوات سياسية تُصاغ وتُفسر حسب مصالح القوى العظمى؟ هذا السؤال ليس فلسفيًا مجرداً، بل هو واقع مرير تكشف عنه الأحداث المتسارعة في العالم. فما يُعتبر عدوانًا يُدان بشدة في سياق، قد يُبرر على أنه “دفاع عن النفس” أو “عمل ضروري” في سياق آخر. إن الفجوة الصارخة بين الشعارات المعلنة والواقع الممارس في النظام الدولي تكشف عن حقيقة مرة: أن القوة هي التي تحدد الصواب والخطأ، وليس القانون. لا يتردد القادة السياسيون في استخدام مفاهيم الخير والشر لتعريف أعدائهم وتبرير حروبهم. ففي حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الخطاب الدولي موحداً في تصنيف موسكو كـ”شر مطلق” ينتهك سيادة الدول وقوانينها، بينما تم تصنيف أوكرانيا على أنها “الخير” الذي يدافع عن حريته. ولكن هذا الميزان ينقلب رأساً على عقب عندما يتعلق الأمر بصراعات أخرى. ففي حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، يتم عكس الأدوار بشكل كامل. ما يُعتبر عدوانًا سافرًا وحصارًا جماعيًا، يُبرر على أنه “دفاع عن النفس” و”محاربة للإرهاب”، ما يؤكد أن “الخير” و”الشر” في السياسة الدولية ليسا مبدأين، بل أدوات مرنة تُستخدم لخدمة المصالح الذاتية.
وليس هذا فحسب، بل إن حق الدفاع عن النفس، الذي يُفترض أن يكون حقاً عالمياً، يصبح حكراً على من يملكون القوة. تتبنى القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تفسيراً موسعاً لهذا الحق ليشمل شن الضربات الاستباقية في دول أخرى، دون موافقتها أو حتى علمها. في المقابل، فإن أي محاولة من قبل الشعوب المستضعفة للدفاع عن نفسها ضد الاحتلال أو العدوان، تُصنف فوراً على أنها “إرهاب” يستوجب القصف والإدانة. هذا يعكس حقيقة أن السيادة الوطنية، التي تُعتبر حجر الزاوية في القانون الدولي، يمكن انتهاكها بسهولة عندما تتعارض مع مصالح الأقوى.
إن هذه الازدواجية تتجلى أيضاً في عمل المؤسسات الدولية نفسها. فالأمم المتحدة، على الرغم من ميثاقها النبيل، غالباً ما تعمل كأداة تخدم مصالح من أسسوها. إن حق النقض (الفيتو)، الذي تملكه الدول الكبرى، هو خير دليل على ذلك، إذ يُستخدم لتعطيل أي قرار يخدم الضعفاء أو يدين المعتدين، مما يجعل من المنظمة سيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب الأقل نفوذاً، بينما تصبح درعاً حصينة تحمي من يملكون القوة. والحقيقة الأكثر مرارة هي أن هذه المعايير المزدوجة لا تقتصر على السياسة الواقعية فقط، بل تتغلغل حتى في المفاهيم الإنسانية. فالحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغيرها من المبادئ التي نشأت في الغرب، تُستخدم كأدوات دعائية تمنح الدول التي تتبناها هالة أخلاقية وتبرر تدخلاتها في شؤون الآخرين. هذه الأفكار، التي كان من المفترض أن تكون عالمية وشاملة، تُختزل لتصبح ميزة خاصة بالمجتمعات التي أنتجتها، وتُستخدم لتبرير استمرار قانون الغاب ضد من يختلفون معها.
وفي الختام، فإن النظام الدولي، في جوهره، لا يعمل دائمًا وفقًا لمبادئه المعلنة. فهو ليس نظامًا يقوم على العدالة المطلقة أو المساواة، بل هو ساحة صراع تحكمها المصالح والقوة والنفوذ. وإذا كان هناك درس يجب أن نتعلمه من هذا الواقع، فهو أن الشعارات البراقة عن العدالة والحرية لا قيمة لها إذا لم تكن مدعومة بإرادة حقيقية لتطبيقها على الجميع دون استثناء.
زر الذهاب إلى الأعلى