الرئيسيةالمقالات

المشروع الإقليمي لتفكيك العراق: توافق الأجندات أم صدفة المصالح؟

المشروع الإقليمي لتفكيك العراق: توافق الأجندات أم صدفة المصالح؟

3/ايلول/2025

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

 

​لطالما شغلت فكرة “إسرائيل الكبرى” أو التوسع الإقليمي حتى نهر الفرات حيزاً واسعاً من النقاشات السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتبنَّ هذه الفكرة رسمياً كسياسة خارجية، إلا أن وثيقة استراتيجية تعود إلى عام 1982، والمعروفة باسم “وثيقة عوديد يينون”، قدّمت تصوراً لسيناريوهات محتملة تبدو اليوم وكأنها أصبحت جزءاً من الواقع. هذا المقال سيتناول الوثيقة وتحليلها، مع التركيز على مدى تطابق ما جاء فيها مع الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية.
​وثيقة يينون: استراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانينيات
​في فبراير 1982، نُشرت دراسة بعنوان “استراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانينيات” في مجلة “كيفونيم” الإسرائيلية، كتبها الدبلوماسي والصحفي عوديد يينون. الوثيقة ليست بياناً حكومياً، بل هي تحليل استراتيجي يرى أن أمن إسرائيل المستقبلي يعتمد على تفكيك الدول العربية المحيطة بها. ترى الوثيقة أن هذه الدول، وخاصة العراق، مبنية على أسس هشة بسبب تركيبتها العرقية والطائفية، مما يجعلها عرضة للتفكك.
​تفكيك العراق: من التحليل إلى التطبيق؟
​في قلب وثيقة يينون، هناك تركيز خاص على العراق. حيث تدعو الوثيقة صراحة إلى ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أسس طائفية وعرقية. وقد شهد الواقع العراقي بعد عام 2003 تحققاً لهذه الفكرة، حيث تشكلت بالفعل منطقة حكم ذاتي كردي تتمتع باستقلالية سياسية واقتصادية كبيرة عن الحكومة المركزية. وفي الوسط، شهدت المناطق السنية صراعات مسلحة وتوترات سياسية ونوقشت فكرة إقامة إقليم سني. أما في الجنوب، فقد تم تعزيز النفوذ الإيراني في المناطق الشيعية، مما أثار نقاشات حول إمكانية قيام إقليم شيعي.
​بالنسبة للكثيرين، هذه النقاط لا تعود بالضرورة إلى خطة إسرائيلية، بل هي نتاج طبيعي للصراعات الداخلية في العراق. ومع ذلك، يرى آخرون أن هذه الصراعات قد تم استغلالها أو حتى تغذيتها، بما يخدم استراتيجية إضعاف الدول العربية المجاورة لإسرائيل.
​تطور المشروع: من الاحتلال المباشر إلى النفوذ غير المباشر
​هنا تكمن النقطة الأكثر دقة. إن فكرة “إسرائيل الكبرى” لم تعد تُترجم بالضرورة إلى احتلال عسكري مباشر. بل أصبحت استراتيجية أكثر تعقيداً تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي للدول المحيطة بها. الاتفاقيات الإبراهيمية، على سبيل المثال، يمكن النظر إليها كأداة في هذا السياق، حيث تسعى إسرائيل من خلالها إلى إقامة علاقات طبيعية مع دول عربية، مما يمنحها نفوذاً سياسياً واقتصادياً وربما أمنياً في المنطقة، دون الحاجة إلى التوسع الجغرافي. هذا النفوذ يمكن أن يساهم في إضعاف “محور المقاومة” وإحداث انقسامات داخلية في الدول العربية الأخرى التي لم تقم بتطبيع العلاقات.
​دور الفاعلين المحليين في تكريس التقسيم الطائفي
​إن ما حدث في العراق لم يكن مجرد صدفة أو نتيجة للظروف الداخلية فقط. فمن وجهة نظر تحليلية، يبدو أن هناك تقاطعاً بين الأفكار المطروحة في وثيقة يينون وبين السياسات التي تبنتها قوى سياسية عراقية معينة، والتي أدت إلى إضعاف النسيج الاجتماعي والسياسي. هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الأحزاب تعمل بشكل مباشر على تنفيذ خطة إسرائيلية، ولكنها قد تكون، سواء عن قصد أو بدون قصد، أداة في سياق جيوسياسي أوسع يهدف إلى تفكيك الدول القوية في المنطقة. فبدلاً من بناء دولة موحدة قادرة على حماية سيادتها، عملت هذه الأحزاب على ترسيخ نظام المحاصصة الطائفية، مما أدى إلى إضعاف الدولة المركزية وخلق صراعات داخلية.
​المصالح المتقاطعة: توافق الأجندات الدولية والإقليمية
​هنا تكتمل الصورة. لا يمكن إدانة طرف واحد فقط. إن ما آل إليه الوضع في العراق ليس نتاج صراع بين إيران والمجتمع الدولي، بل هو نتاج “توافق مصلحي” بينهما. فبينما تسعى إيران إلى ضمان عمقها الاستراتيجي عبر قوى موالية في العراق، كانت قوى دولية (مثل الولايات المتحدة) وقوى إقليمية أخرى تبدو وكأنها على عداء معها، ولكنها في الواقع متفقة ضمنياً على إبقاء العراق ضعيفاً ومنقسماً. هذا التوافق قد لا يكون معلناً، ولكنه يخدم أهداف الجميع: إيران تضمن نفوذها، وقوى إقليمية أخرى تتخلص من خطر دولة عراقية قوية، والمجتمع الدولي يضمن مصالحه دون الحاجة للتدخل المباشر. هذا ما يجعل الصراع يبدو كأنه “عداء توافقي” موجه لإيهام العراقيين بانقسام الأجندات، في حين أنها متحدة في هدف إضعاف العراق.
​الخاتمة:
​إن العلاقة بين ما جاء في وثيقة يينون والواقع الإقليمي هي قضية معقدة. على الرغم من أن إسرائيل لم تعترف أبداً رسمياً بوجود خطة لتقسيم العراق، إلا أن الأحداث التي تلت نشر الوثيقة، خاصة بعد غزو العراق عام 2003، قد أعطت الأفكار الواردة فيها مصداقية كبيرة لدى بعض المراقبين. سواء كانت الوثيقة مجرد نبوءة أو استراتيجية عمل، فإنها تسلط الضوء على تيار فكري يرى في تفكيك الدول العربية ضماناً لأمن إسرائيل وتفوقها الإقليمي. هذا يجعلها موضوعاً محورياً لفهم السياسات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار