“الغوغائية”: لغة الخطاب السياسي المعاصر
بقلم/عدنان صگر الخليفه
أصبح مصطلح “الغوغائية” حاضراً بقوة في الخطاب السياسي اليوم، حيث يستخدمه البعض لوصف الفوضى والفساد المستشري في نظام الحكم الحالي. هذا الوصف لا يقتصر على جانب واحد، بل يمتد ليشمل الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي الذي أفرزته منظومة المحاصصة القائمة. وعلى الرغم من استخدام هذا المصطلح، فإن الساسة الذين يطلقونه يشاركون في نفس النظام، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى صدق نواياهم. في ظل هذا المشهد، تبرز مفارقة واضحة: فالساسة الذين يعترفون علناً بفساد النظام وبضرورة “التغيير الجذري”، يجدون أنفسهم يشاركون في آلياته الانتخابية، تحت شعارات تدعو إلى “الإصلاح من الداخل”. هذا السلوك يضع مصداقيتهم على المحك، ويشير إلى أن هدفهم قد لا يكون التغيير، بل الحصول على نصيبهم من السلطة والامتيازات التي يوفرها النظام. فالزعم بإصلاح نظام يتطلب تغييرًا جذريًا من خلال أدواته نفسها يبدو وكأنه مجرد محاولة لتبرير البقاء في دائرة النفوذ. هذا الأمر يبرز أن الدعوات الإصلاحية قد تكون غطاءً لمصلحة شخصية، وأن أي حديث عن “ترميم” النظام قد يكون في الحقيقة سعياً للحصول على “مكاسب ونفوذ”. الدليل الأقوى على هذا التناقض هو موقف الشعب العراقي نفسه. فالغالبية الساحقة من المواطنين، التي تزيد نسبتهم عن 70%، لا يثقون في العملية السياسية. هذا الوعي ليس نابعاً من إحباط، بل هو إدراك حقيقي بأن الوعود السياسية لا تترجم إلى أفعال. إن نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات تؤكد هذه الحقيقة بوضوح، وتُظهر أن الشعب قد فقد إيمانه بالمنظومة السياسية بأكملها. إن من يشاركون في الانتخابات هم في الأغلب من المنتفعين الذين لهم مكتسبات من الأحزاب المتنفذة، ما يجعل نسبة المشاركة مقياساً لمصداقية دعوات الإصلاح. إن هذه المفارقات تشير إلى أن الخطاب السياسي في العراق قد انفصل تماماً عن واقع المواطنين. فالساسة يواصلون استخدام لغة تدعو إلى التغيير بينما يمارسون نفس الأساليب القديمة. وهذا المسار لا يمكن أن يؤدي إلا إلى استمرار حالة الفوضى السياسية والفساد، وتعميق الهوة بين الطبقة الحاكمة والشعب الذي يرى الحقيقة بوضوح تام.
زر الذهاب إلى الأعلى