وزارة التخطيط ام التخريب
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
تُعد وزارة التخطيط في أي دولة قلب العملية التنموية وصاحبة الدور الأساس في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد، غير أن التجربة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم كشفت عن ثغرات كبيرة جعلت التخطيط في العراق أقرب إلى التنظير الورقي منه إلى التنفيذ الواقعي.
1- غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة
تغيّرت خطط التنمية العراقية بتغيّر الحكومات، فكل حكومة تأتي برؤية جديدة، وغالباً ما تُلغى أو تُهمّش الخطط السابقة. هذا التذبذب أضعف جدوى الاستراتيجيات طويلة الأمد مثل “الخطة الوطنية للتنمية 2018-2022″، التي بقيت في معظمها حبراً على ورق بسبب انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي.
2- التسييس وضعف استقلالية الوزارة
وزارة التخطيط لم تُترك كجهة فنية مستقلة، بل دخلت في دائرة المحاصصة الحزبية، ما جعلها خاضعة لإرادة الكتل السياسية أكثر من خضوعها للمنهج العلمي. وباتت قراراتها أقرب إلى توازنات سياسية بين الأحزاب بدل أن تكون معايير اقتصادية واجتماعية مدروسة.
3- غياب قاعدة بيانات دقيقة
لا يمكن لأي عملية تخطيط ناجحة أن تنجح من دون قاعدة بيانات شاملة ودقيقة عن السكان، العمالة، البطالة، الفقر، البنى التحتية، وحاجات المحافظات. العراق ما زال يعتمد على بيانات متقطعة وقديمة، وغالباً ما تتعارض إحصاءات وزارة التخطيط مع ما تنشره الوزارات الأخرى أو المؤسسات الدولية.
4- ضعف التنسيق مع باقي الوزارات
المشاريع الكبرى تتطلب انسجاماً بين وزارات المالية، التخطيط، الكهرباء، النفط، التربية، والصحة. لكن الواقع العراقي يعاني من تفكك مؤسسي كبير، إذ غالباً ما تضع وزارة التخطيط جداول استثمارية لا تجد طريقها للتنفيذ بسبب عدم التوافق مع وزارة المالية أو ضعف البنية التحتية لدى الوزارات القطاعية.
5- مشكلة “الموازنات الاستثمارية”
غالبية الموازنات العراقية ذات طابع تشغيلي (رواتب ومصاريف جارية)، بينما يذهب أقل من 20% للاستثمار. وحتى هذا الجزء الاستثماري كثيراً ما يبقى غير منفذ بسبب الروتين والفساد وضعف الكفاءة الإدارية. وبالتالي تتحول خطط التنمية إلى شعارات من دون أثر ملموس على الاقتصاد.
6- هيمنة الاقتصاد الريعي
التخطيط في العراق اصطدم دائماً بهيمنة النفط على الاقتصاد، حيث تشكل العائدات النفطية أكثر من 90% من إيرادات الدولة. هذا الاعتماد جعل الوزارة تفشل في تنويع مصادر الدخل أو خلق قطاع خاص فعّال. وبذلك بقيت الخطة الاقتصادية مرهونة بأسعار النفط وتقلباتها.
7- الفساد الإداري والمالي
المشاريع التنموية كثيراً ما تُحال إلى شركات مرتبطة بالأحزاب أو إلى مقاولين غير مؤهلين، فتتعثر أو تُترك غير مكتملة. وزارة التخطيط، بدل أن تكون جهة رقابية صارمة على التنفيذ، غالباً ما تتغاضى عن هذه الإخفاقات.
8- فجوة بين التخطيط والمواطن
المواطن العراقي لا يرى نتائج مباشرة للتخطيط في حياته اليومية، سواء في الخدمات أو فرص العمل أو البنى التحتية. هذا الانفصال جعل الوزارة بعيدة عن الشارع، وأفقد المواطن الثقة بجدوى خطط التنمية.
ما المطلوب؟
1. استقلال وزارة التخطيط عن المحاصصة الحزبية وجعلها مؤسسة مهنية تعتمد الكفاءة والخبرة.
2. توحيد قواعد البيانات الوطنية من خلال تحديث الإحصاءات السكانية والاقتصادية بشكل دوري.
3. تخصيص موازنات حقيقية للاستثمار وربطها بجداول زمنية صارمة للتنفيذ.
4. تفعيل الرقابة والمتابعة على المشاريع وعدم الاكتفاء بالتقارير المكتبية.
5. تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط من خلال دعم الصناعة والزراعة والقطاع الخاص.
6. إشراك المواطن في تقييم المشاريع والخطط عبر الشفافية والإعلام.
بهذا الشكل يمكن القول إن وزارة التخطيط في العراق تحتاج إلى إعادة بناء وظيفي وهيكلي كي تتحول من “وزارة أرقام وتقارير” إلى “وزارة تنمية حقيقية” تضع الأساس لاقتصاد مستقر ومستقبل أكثر وضوحاً.
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل (250)
زر الذهاب إلى الأعلى