التقاريرالرئيسية

ترامب وظلال البندقية: الجماعات المسلحة في أمريكا وخطاب الهيمنة

ترامب وظلال البندقية: الجماعات المسلحة في أمريكا وخطاب الهيمنة

علاء الطائي

أولًا:
الجذور الفكرية والدستورية لانتشار السلاح

تُعد الولايات المتحدة واحدة من أكثر الدول تسليحًا على مستوى الأفراد حيث يُعتبر حمل السلاح حقًا دستوريًا مكفولًا بموجب التعديل الثاني من الدستور الأمريكي الذي ينص على:

“ميليشيا منظمة جيدًا ضرورية لأمن دولة حرة لا يجوز انتهاك حق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها.”

هذا النص الذي يعود إلى القرن الثامن عشر كان في الأصل يهدف إلى تمكين المواطنين من الدفاع عن أنفسهم في ظل غياب جيش دائم لكن مع مرور الزمن أصبح أساسًا قانونيًا لتبرير امتلاك الأسلحة الفردية بل وتشكيل جماعات مسلحة خارج إطار الدولة بعضها يتبنى أفكارًا متطرفة ويُظهر عداءً صريحًا للحكومة الفيدرالية.

الخلفية الفكرية

– الليبرالية الفردية:
تؤمن بأن الفرد هو وحدة مستقلة يجب أن يتمتع بحقوق غير قابلة للمساس ومنها الدفاع عن النفس.

– العداء للحكومة المركزية:
بعض الجماعات ترى أن الحكومة الفيدرالية تمثل تهديدًا للحريات ما يدفعها لتشكيل ميليشيات خاصة.

– الرمزية الثقافية للسلاح:
السلاح في الثقافة الأمريكية ليس مجرد أداة بل رمز للحرية والاستقلال والرجولة خاصة في المناطق الريفية والجنوبية.

الإحصائيات الصادمة

– أكثر من 400 مليون قطعة سلاح مملوكة للأفراد في الولايات المتحدة.
– حوالي 30% من الأمريكيين يمتلكون سلاحًا شخصيًا.
– الولايات المتحدة تسجل أعلى معدل للوفيات الناتجة عن الأسلحة النارية بين الدول المتقدمة.

ثانيًا:
تاريخ الجماعات المسلحة والمواجهات مع السلطات

نشأة الجماعات المسلحة ليست ظاهرة جديدة بل تعود جذورها إلى فترات مبكرة من تاريخ البلاد

١- الثورة الأمريكية:
ظهرت الميليشيات الشعبية لمقاومة الاستعمار البريطاني.

٢- ما بعد الحرب الأهلية:
جماعات مثل “كو كلوكس كلان” استخدمت السلاح لفرض قوانينها العنصرية.

٣- القرن العشرين:
تصاعدت جماعات مثل “الوطنيين الجدد” و”الناجين من نهاية العالم”.

٤- القرن الحادي والعشرين:
جماعات مثل “بوفالو بويز” و”أوث كيبرز” أصبحت أكثر تنظيمًا وانتشارًا خاصة في ظل تصاعد الخطاب الشعبوي في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي اتُهم بتغذية مشاعر العداء للحكومة الفيدرالية وتشجيع مناخ التمرد.

ومن أبرز أحداث التمرد
على الحكومة الفيدرالية

– حصار واكو (1993)
– جماعة “برانش دافيديان”
– عدد الضحايا 76 قتيلًا
– استمرت المواجهات 51 يومًا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وانتهت بحريق مميت في المجمع.

– هجوم أوكلاهوما سيتي (1995)
– نفذه تيموثي مكفاي (متأثر بأفكار جماعات ميليشيا)
– بعدد ضحايا بلغ 168 قتيلًا
– يُعد أكبر هجوم إرهابي داخلي في تاريخ الولايات المتحدة واستهدف مبنى حكومي.

– احتلال محمية مالور (2016)
– من قبل جماعة “أمون بندي” ومؤيدوه
– وكان تحدٍ واضح لسلطة الحكومة الفيدرالية عبر احتلال منشأة حكومية في ولاية أوريغون

-قوانين فرضتها الجماعات بقوة السلاح

– إعلان مناطق “مستقلة” لا تعترف بالحكومة الفيدرالية.
– إنشاء محاكم شعبية للفصل في النزاعات بعيدًا عن القضاء الرسمي.
– منع دخول السلطات إلى مناطقهم وتهديدهم باستخدام القوة

ثالثًا:
ازدواجية المعايير وسقوط الهيمنة

إن الجماعات المسلحة في الولايات المتحدة تمثل تحديًا معقدًا يجمع بين الحق الدستوري والتفسير المتشدد والانفلات الأمني وبينما يرى البعض فيها تعبيرًا عن الحرية يرى آخرون أنها تهديد مباشر للسلم الأهلي وسيادة القانون

وفي الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من جماعات انفلتت من قبضة القانون وفرضت قوانينها الخاصة بقوة السلاح نجدها تُنصّب نفسها وصيًا على دول ذات سيادة وتُصدر الإملاءات تحت غطاء “الديمقراطية” و”الاستقرار”
كيف لدولة مثل أمريكا لم تُطهر أرضها من العصابات المسلحة ولم تضع حدًا لميليشياتها الداخلية أن تطالب العراق مثلًا بنزع سلاح فصائله أو بحل مؤسسة دستورية كـ”الحشد الشعبي” الذي نشأ من رحم المعركة ضد الإرهاب؟
هذا منطق التهديد والوعيد لا منطق الحوار والاحترام المتبادل
الهيمنة الأمريكية التي تتكئ على القوة العسكرية والاقتصادية تُعيد إنتاج عقلية الإمبراطورية البريطانية وتُكرر أخطاء الاتحاد السوفيتي الذي انهار تحت وطأة التوسع والإنكار الداخلي
ولعل التاريخ لا يرحم من يظن أنه خالد فلكل إمبراطورية يوم تتداعى فيه كما تداعت أمم من قبلها
وعلى “ترامب” ومن سار على نهجه لا تُطالب الآخرين بما لم تستطع تحقيقه في وطنك
فمن أراد إصلاح العالم عليه أولًا أن يُصلح بيته.
علاء الطائي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار