الرئيسيةالمقالات

أزمة التوقيت: اتفاقية أمنية محتملة تضع بغداد في مأزق سياسي

أزمة التوقيت: اتفاقية أمنية محتملة تضع بغداد في مأزق سياسي

بقلم/عدنان صگر الخليفه

تثير زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى بغداد والمباحثات حول توقيع اتفاقية أمنية ثنائية، تساؤلات جدية حول توقيتها ودوافعها في ظل المشهد السياسي العراقي المعقد. فبينما تُقدم هذه الخطوة على أنها تعزيز للتعاون الإقليمي، يرى مراقبون أنها تضع الحكومة العراقية، التي أوشكت على نهاية مدتها، في موقف حرج للغاية. لا يمكن النظر إلى هذه الاتفاقية بمعزل عن سياقها الأوسع، فالعراق يرتبط بالفعل باتفاقية إطار استراتيجي مع الولايات المتحدة، بقيادة رئيسها الحالي دونالد ترامب، مما يفرض على بغداد سياسة موازنة دقيقة بين قوتين إقليميتين ودوليتين تتناقض مصالحهما في العديد من الملفات. هذا الوضع يفتح الباب أمام تساؤلات حول كيفية التوفيق بين التزامات العراق الأمنية المتعددة، وما إذا كانت الاتفاقية الجديدة ستُعزز من سيادته أم ستقيّده، ويثير تساؤلاً جوهريًا: هل ستناقش هذه الاتفاقية مع الحكومة ومؤسساتها الرسمية، أم مع جهات أخرى؟
الموقف يصبح أكثر حساسية عند ربط الاتفاقية بالوضع الداخلي في العراق. ففي الآونة الأخيرة، تصدر الحكومة العراقية دعوات مستمرة لحصر السلاح بيد الدولة ودمج فصائل الحشد الشعبي ضمن المنظومة الأمنية الرسمية، وهو توجه قوبل برفض من بعض هذه الفصائل. إن توقيت هذه الدعوة الإيرانية يتقاطع بشكل مباشر مع جهود الحكومة العراقية لفرض سيادتها، مما يثير شكوكًا حول الهدف الحقيقي منها. ويزداد الشك عندما تُستذكر تصريحات علي لاريجاني السابقة التي أكد فيها على عدم ضرورة دمج فصائل الحشد أو حزب الله اللبناني في مؤسسات الدولة، مما يُعتبر في نظر الكثيرين تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية لكل من العراق ولبنان.
علاوة على ذلك، يواجه تمرير الاتفاقية عقبات دستورية وسياسية. فالحكومة الحالية التي يتبقى من عمرها أشهر قليلة، تفتقر إلى القدرة السياسية الكافية لإبرام اتفاقيات مصيرية. كما أن البرلمان العراقي، الذي يجب أن يصادق على مثل هذه الاتفاقيات، يواجه صعوبة في عقد جلسات بنصاب كامل، مما يجعل من المستحيل تقريبًا إقرار الاتفاقية في هذه المرحلة. لذلك، فإن الخيار الأكثر حكمة وواقعية يكمن في ترحيل هذه القضية إلى الحكومة المقبلة التي تتمتع بصلاحيات كاملة. إن إقحام العراق في هكذا اتفاقيات معقدة في هذا التوقيت يضعه في موضع ضعف، ويهدد بتحويله إلى ساحة صراع للقوى الكبرى بدلًا من أن يكون دولة ذات سيادة مستقلة. لذلك، فإن المصلحة الوطنية تقتضي من بغداد أن تنأى بنفسها عن كل ما قد يضر بأمنها واستقرارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار