الرمان اليمني… ذهبٌ يُروى ولا يُقطف*
فضل فارس
في صباحٍ يمنيٍ هادئ، عندما تلامس أولى نسائم الخريف جبال صعدة، يبدأ موسم الرمان. هناك، في مدرجاتٍ زراعية تكاد تعانق السماء، ينهمك المزارعون في قطاف ثمار حمراء كالياقوت. لا يتعلق الأمر بمجرد حصادٍ موسمي؛ إنها لحظة تربط الماضي بالحاضر، حيث تقاليد الزراعة تتوارثها الأجيال، وتُسقى بحكمة الفلاحين وخبرتهم الفطرية.
لكن خلف هذا المشهد الريفي الساحر، تقبع قصة أكثر تعقيدًا—قصة محصول استراتيجي يحمل في طياته إمكانيات اقتصادية هائلة، لكنه ظل، رغم كل ذلك، في الظل.
*جودة تتجاوز الحدود*
ما يُميز الرمان اليمني ليس فقط شكله الجذاب أو طعمه اللاذع المتوازن، بل مقاومته العالية للأمراض الطبيعية، ما يجعله من أكثر الأصناف صلابة ودوامًا. بحسب تجار زراعيين في الخليج، يُصنف “الرمان الصعدي” من بين أكثر الأصناف جذبًا للمستهلك، وخصوصًا لمجتمع يبحث عن المنتجات العضوية والفوائد الصحية.
وفي مقارنة غير معلنة بين الرمان اليمني ونظيره في دول مثل تركيا وإيران، تبرز ميزة اليمن في التربة البركانية ومناخ المرتفعات، مما يمنح الثمرة تركيزًا أعلى للعناصر الغذائية ومذاقًا لا يُنسى.
*اقتصاد الحصاد المفقود*
رغم جودة المحصول، إلا أن رحلة الرمان من الشجرة إلى السوق لا تخلو من العقبات. تغيب مراكز الفرز والتغليف، وتفتقر سلسلة التوزيع إلى التنظيم، بينما يبقى التسويق الخارجي شبه غائب عن المشهد. ونتيجة لذلك، تنخفض أرباح المزارعين وتضيع فرصة استثمار واعدة في محصول يمكن أن يتحول إلى مصدر دخل ريفي مستدام، إذا ما تم تطوير سلاسل القيمة المرتبطة به.
*من الجذور حتى التصدير: سلاسل القيمة المهملة*
عند الحديث عن سلاسل القيمة لمحصول الرمان في اليمن، يبدأ المسار من اختيار الشتلات الجيدة، مرورًا بالرعاية الزراعية، ثم الحصاد، فالفرز، والتعبئة، والتسويق، وصولًا إلى الاستفادة منه في الصناعات الغذائية والدوائية. لكن معظم هذه المراحل لا تزال تُدار بشكل تقليدي، مما يحد من حجم الإنتاج وقيمته المضافة.
جهود الجمعيات الزراعية الناشئة بدأت في تغيير هذا الواقع، عبر تدريبات للمزارعين على سلاسل القيمة ومشاريع تجريبية للتصنيع الغذائي المحلي. إلا أن هذه الجهود لا تزال بحاجة إلى دعم أكبر، ورؤية حكومية واضحة تُحول الرمان من محصول زراعي موسمي إلى مشروع اقتصادي مستدام.
*خاتمة تأملية*
إن الرمان اليمني، رغم ما يحمله من فرص، لا يزال بحاجة لمن يُؤمن به. بحاجة إلى مستثمرٍ يرى فيه أكثر من مجرد ثمرة؛ بل منتجًا يحمل بصمة الأرض، وصوت المزارع، ونكهة اليمن المتجذرة في التاريخ. فإذا تم تفعيل منظومة اقتصادية متكاملة حول هذا المحصول، فلن يكون الرمان مجرد فاكهة تُقطف في الخريف، بل ركيزة لبناء اقتصاد ريفي يعتمد على الجودة والتنوع والاستدامة.
زر الذهاب إلى الأعلى