طريق الحرير يمر بالعراق… بدون السراق..
البروفيسور د ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
في عام 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ من كازاخستان رسميًا مشروع “الحزام والطريق” — أكبر مشروع بنية تحتية في القرن الحادي والعشرين — والذي يهدف إلى ربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا مرورًا بآسيا الوسطى. وقد اختار كازاخستان تحديدًا للإعلان لكونها بوابة أوراسيا البرية، ومن هناك شقّ الطريق طريقه إلى إيران ثم إلى حدود العراق، عبر محور كرمنشاه – خانقين – كلار. لكن، وفيما أنجزت دول المنطقة مراحل متقدمة من الربط السككي والنقل البري، بقي العراق عالقًا… بقرار سياسي.
فوائد اقتصادية ضخمة في الانتظار
العراق يُعتبر من أهم النقاط الجغرافية في مشروع “الحزام والطريق”، بحكم موقعه الاستراتيجي كهمزة وصل بين الشرق والغرب. انضمامه الفعلي للمشروع كان يمكن أن يجلب له:
_ عوائد مالية ضخمة من مرور البضائع عبر أراضيه، تقدرها بعض الدراسات بـ 6 إلى 8 مليارات دولار سنويًا من رسوم العبور والضرائب والخدمات اللوجستية.
_ فرص عمل تُقدر بـ 100 إلى 150 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاع النقل والبنى التحتية والخدمات المرتبطة.
_ استثمارات صينية محتملة تتجاوز 20 مليار دولار في قطاعي الموانئ والسكك الحديد والطاقة.
_ تحول العراق إلى مركز إقليمي للنقل والخدمات اللوجستية، ينافس تركيا وإيران والخليج العربي.
ميناء الفاو.. مشروع استراتيجي لكنه متعثر
رغم أن طريق الحرير البري يمر من شمال العراق، فإن ميناء الفاو الكبير يُعد ركيزة أساسية للمسار البحري للمشروع. هذا الميناء، حال اكتماله، سيربط الخليج العربي بأوروبا عبر سكك الحديد والبواخر، ويجعل العراق ممرًا بديلاً عن قناة السويس. غير أن المشروع يواجه:
* تعطيلاً ممنهجًا من أطراف داخلية وخارجية.
* نقص التمويل الفعلي والفساد الإداري.
* محاولات إقليمية لتحييده من قبل السعودية والكويت، اللتين بدأتا مشاريع بديلة مثل ميناء “نيوم” و”بوبيان”، في محاولة لسحب البساط من العراق.
كردستان تلعب وحدها في الميدان
في الوقت الذي ينتظر فيه المركز قرارًا من البرلمان أو جلسة من جلسات مجلس الوزراء، بدأ إقليم كردستان فعليًا بتنفيذ الربط السككي مع إيران وتركيا، وفرض أمر واقع في المناطق الاستراتيجية مثل خانقين وكلار. هذه المناطق، الواقعة على مسار طريق الحرير، تخضع لسيطرة الإقليم الذي يرفض أي ربط مركزي دون موافقته، ما يُضعف سيطرة بغداد على ممر النقل الدولي ويُفقدها هيبة القرار السيادي.
الولايات المتحدة والصراع الجيوسياسي
الولايات المتحدة، التي تُراقب المشروع بعين القلق، تضغط سياسيًا واقتصاديًا لعرقلة تنفيذه داخل العراق. فمشروع “الحزام والطريق” يهدد النفوذ الأمريكي في المنطقة عبر التوسع الاقتصادي الصيني، ولذلك تعمل واشنطن على:
– تحريك حلفائها الإقليميين لتقديم بدائل للمسار الصيني.
– تعطيل القرار العراقي المركزي عبر تضخيم الخلافات السياسية.
– المراهنة على الوقت لإجبار الصين على تجاوز العراق.
المعوقات الاقتصادية الداخلية
ليس التدخل الأجنبي وحده ما يعيق المشروع، بل هناك عوامل داخلية عراقية تعرقل التحاق بغداد بالمشروع، منها:
_ الفساد المالي والإداري، الذي كلّف العراق أكثر من 400 مليار دولار منذ 2003 وفق تقارير النزاهة.
_ انعدام رؤية اقتصادية استراتيجية، إذ لا توجد خطة اقتصادية موحدة لربط العراق بالتجارة الدولية.
_ ضعف البنية التحتية للسكك الحديدية، التي لم تُحدّث منذ عقود.
_ عدم الاستقرار السياسي والانقسام بين القوى العراقية، ما يجعل اتخاذ القرار شبه مستحيل.
الفرصة التي لا تنتظر أحدًا
بعض السياسيين العراقيين يتبنون فكرة “نُكمل الفاو أولاً، ثم ندعو الصين”، بينما الواقع يقول إن الصين لا تنتظر أحدًا. الممر الصيني مرّ فعلًا عبر كازاخستان وإيران، ووصل حدود العراق، وإن لم يتحرك العراق اليوم، فإن المشروع سيتجاوزه تمامًا إلى تركيا والخليج، ويُقصى العراق من الخريطة التجارية الدولية لعقود قادمة.
أبناء الجنوب: الأكثر تضررًا
أبناء البصرة والناصرية والمثنى والعمارة، وهم من دفعوا ثمن الحروب والإهمال لعقود، هم اليوم الأكثر تضررًا من تعطيل ميناء الفاو والربط السككي. فكل محاولة نهوض بالجنوب تُقابل بمحاولات لإفشالها من أطراف داخلية وخارجية، في لعبة كسر عظم هدفها إبقاء العراق سوقًا للاستهلاك، لا ممرًا للعبور أو مركزًا للإنتاج.
خاتمة: هل يستفيق العراق؟
القطار الصيني انطلق، وها هو يعبر دول الجوار واحدة تلو الأخرى. العراق، الذي يفترض أن يكون قلب المشروع، لا يزال في محطة الانتظار. وإذا استمر التعطيل، فإن الفرصة التاريخية ستُفقد إلى الأبد، وسيُكتب في التاريخ أن العراق كان بوابة لطريق الحرير… لكنه لم يفتحها.
البروفيسور د ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل
زر الذهاب إلى الأعلى