الإقليم الشيعي وتمكين المنتظرين:
واقعية سياسية أم تخطيط إلهي؟ “الحلقة الثالثة”
علاء الطائي
قد يتساءل المرء بعد مراجعة سرديات “الانتظار” وتموضعات “التمكين” إن كانت لحظة الغياب المهدي تمثل عند بعضهم تخليًا عن العالم فيما يراها آخرون تمهيدًا دؤوبًا للظهور وإن كانت مرجعياتنا الدينية قد تباينت في تحديد حدود الفعل السياسي وحدود الصبر الاستراتيجي فإنّ ما يجب أن لا يضيع في هذا الجدل هو جوهر “التمكين” ذاته
-هل هو حالة قدرية؟
– أم مشروع أخلاقي؟
– أم سلطة حصرية؟
– أم امتحان مفتوح؟
لقد آن أوان التفكر في التمكين ليس بوصفه “امتيازاً إلهياً” أو “بشارة سياسية” بل باعتباره مسؤولية تتطلب الوعي والتهذيب والبناء في العقيدة التي تنتظر إماماً غائباً لا يجوز لها أن تُغيّب إنسانها الحاضر ولا أن تؤجل قيم العدالة والعمران إلى ما بعد “الظهور”.
-التمكين بين العقيدة والممارسة:
مراجعة فكرية
في العديد من الأدبيات الشيعية المعاصرة وخصوصًا تلك المتأثرة بتجارب الدولة مثل تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران أو التيارات الولائية في العراق ولبنان تحوّل “التمكين” من كونه حالة إيمانية تطمح لإقامة القسط والعدل إلى أداة سياسية لتثبيت الحكم وشرعنة المشروع وهنا تبدأ المشكلة حين يصبح التمكين “نهاية سلطوية” لا “وسيلة أخلاقية”.
نجد في بعض خطابات رجال الدين والسياسة أنّ التمكين يُستحضر في سياق التفوق الطائفي أو الانتصار السياسي بينما الأصل فيه أنه جزء من الامتحان الإلهي لا من الغنيمة الدنيوية فالتمكين الحقيقي ليس صعودًا إلى السلطة بل قيام بالحق وإقامة للعدل ولو من دون سلطة.
–التمكين بوصفه ابتلاء:
هل نحن أهله؟
في سورة القصص تأتي الآية:
“ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”
غالبًا ما تُقرأ هذه الآية في سياق وعود التمكين الإلهي لكن هل يسبق التمكين شرط؟
نعم هو الاستضعاف لا بوصفه مظلومية فقط بل بوصفه تزكيةً وتهذيبًا فالتمكين وعدٌ مشروطٌ بالاستحقاق لا حقٌ مضمون لمجرد الانتماء.
هنا يبرز سؤال أخلاقي وسياسي
-هل نجحنا كشيعة و أتباع مدرسة أهل البيت في بناء مجتمع عادل مسؤول نزيه قادر على حمل أمانة التمكين؟
-أم أننا حين وصلنا إلى السلطة في بعض التجارب سرعان ما استنسخنا أدوات القهر والفساد ذاتها التي قاومناها يومًا ما؟
–التمكين بين الإمام والإنسان:
إعادة توجيه البوصلة
الخطأ الذي يقع فيه البعض هو ربط التمكين فقط بعودة الإمام الغائب وكأنّ الظهور هو البداية الحقيقية للعدل وما قبله مجرد عبور بينما منطق الولاية والنيابة العامة كما طُوّر فقهيًا كان يجب أن يكون دعوةً لتكامل الإنسان لا تجميدًا للزمن.
– بعبارة أوضح:
الإمام الحجة هو غاية الغايات لكن مسؤوليتنا كمنتظرين ليست أن “نُجمّد” الحركة حتى يأتي بل أن “نُمكّن” للقيم التي سيقوم بها أن نُحيي العدالة كما لو أنه بيننا وأن نقيم القسط كما لو أن ظهوره غدًا.
– نحو مفهوم جديد للتمكين:
لعلّنا بحاجة لإعادة تعريف التمكين وفق المحاور التالية:
١- التمكين كمنظومة أخلاقية:
لا يُقاس بعدد المقاعد في البرلمان بل بعدد الأيتام الذين كُفلوا والفقراء الذين أُغنوا والظلم الذي رُفع.
٢- التمكين كمعيار مساءلة:
من وصل للسلطة باسم الدين يُحاسب بميزان الدين لا بذرائع السياسة و”من نُصّب إماماً فقد حمل وزر قومه”
٣- التمكين تربية مجتمعية:
قبل أن نمكّن لمذهبنا في الجغرافيا علينا أن نمكّنه في الضمائر والعقول فلا يكفي أن يكون الحاكم شيعياً إن لم تكن عدالته حسينية
– وسؤال المستقبل:
لا حاجة أن ننتظر الإمام حتى نقيم دولة عادلة بل يجب أن نقيم دولة تُشبهه كي لا يخجل منّا إن عاد.
وفي لحظة الحقيقة لا يسألنا التاريخ كم حكمنا بل كيف حكمنا
ولا يسألنا الناس عن اسم المذهب بل عن سيرة المذهب.
ولعل التمكين الحقيقي هو أن نعيد للشيعة قبل غيرهم صورة علي بن أبي طالب في المحراب لا في البرلمان فقط وصورة الحسين على باب الكوفة لا على لافتات الانتخابات.
زر الذهاب إلى الأعلى