الرئيسيةالمقالات

من الانتظار إلى المبادرة:  هل يقبل التشيع بالتكليف دون تمكين؟ “الحلقة الثانية”

من الانتظار إلى المبادرة:  هل يقبل التشيع بالتكليف دون تمكين؟ “الحلقة الثانية”

علاء الطائي

لطالما ارتبط مفهوم “الانتظار” في الفكر الإمامي بمنظومة عقدية شديدة العمق تتقاطع فيها عناصر الإيمان بالغيب والتمسك بالوعد الإلهي مع واقع الزمان المتغير وتحدياته غير أن هذا الانتظار الذي وُصف في الروايات بأنه “أفضل الأعمال” لم يسلم من تعدد القراءات بل ربما نقول إنه أصبح في بعض التجارب مجالًا خصبًا للتأويلات المتناقضة
هل الانتظار يعني التوقف عن الفعل والانزواء على قارعة الزمن حتى تحين ساعة الغيب؟
أم هو عملية تهيئة حضارية تبدأ من الذات وتنعكس على الواقع بما يؤسس لبيئة صالحة لاستقبال الوعد الإلهي؟
بهذا المعنى لا يكون الانتظار نقيضًا للحركة بل يصبح أكثر صور الحراك وعيًا ونقاءً إنه تحرك في قلب الزمن لكن بإيقاع إلهي وبوصلة مهدوية لا تقبل المساومة على هوية المشروع أو بوصلته.

‐-قراءة في طبيعة الانتظار:
الانتظار كما جاء في التراث الشيعي ليس خمولًا بل هو فعل قائم على الاستعداد والتهيؤ وهو مرتبط بتكليف لا تعليق الواقع على مجهول.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) “من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر” هذا الحديث وغيره يفترض أن المنتظر شريك في صنع الزمان لا مجرد شاهد عليه.
والتمكين الذي يرتبط بظهور الإمام الغائب لا يمكن أن يُفهم على أنه حدث مفاجئ يهطل من السماء بل هو نهاية منطقية مسار تراكمي طويل من التهيئة والفرز والتمحيص.

–الغيب كجزء من المعادلة وليس بديلًا عنها
إن الغيب في التجربة الإيمانية ليس قطيعة مع الواقع بل بُعدٌ مكمّل له المنتظر لا ينسحب من معادلة الصراع بل يبني في ظل الغيب أدوات وعيه وقواعد اشتباكه والفرج الموعود ليس لحظة قدرية منفصلة عن جهد الأمة بل استجابة إلهية لمسار جماعي من العمل والصبر والبصيرة.
بل إنّ من الغفلة أن يُختزل “الانتظار” في ثقافة التوقف عن الفعل أو تعليق المواقف على حدث مستقبلي بينما يُفترض أن يكون الانتظار منبع الحماسة والإصرار والمواجهة ما ينتظره المنتظرون هو الحقيقة الكاملة لا شرعية الخمول.

–الانتظار والسياسة:
بين الاستغلال والانحراف
منذ بدايات الغيبة الكبرى حاولت بعض القوى سياسيًا ومذهبيًا توظيف مفهوم الانتظار بطريقة تؤبّد غياب العدل وترسّخ الطاعة المطلقة لكل سلطة بحجة “عدم تحقق الشرط المهدوي”.

فتحوّل “الانتظار” من ديناميكية مهدوية إلى خطاب تبريري لأنظمة الظلم وتحوّلت “الغيبة” إلى مبرر للسكوت عن الانحراف بل وتقديم الطاعة له ما دامت راية القائم لم تُرفع بعد وبهذا المعنى يصبح تأجيل الفعل السياسي وتفريغ المجتمع من مسؤوليته التاريخية جزءًا من انحراف جوهري في فهم الغيب.

لكن في المقابل فإن فهم الانتظار كحالة “تمكين تدريجي” يدفع باتجاه رؤية أخرى أن كل فعل مقاوم وكل مشروع إصلاحي وكل تحرك اجتماعي نحو العدالة هو خطوة نحو الظهور لا خروج عليه.

–الانتظار في زمن الاختبار الكبير

بعد زلزال 7 أكتوبر بدت ساحات المواجهة وكأنها تتحول إلى مختبر إلهي واسع يُفرز فيها الصادقون من غيرهم وتتكشف فيه الشعارات عن مدى مصداقيتها هنا لا يعود الانتظار خيارًا فرديًا بل شرطًا جماعيًا للبقاء في ساحة الاصطفاء
في هذا السياق تُطرح الأسئلة بشكل مختلف
-هل هذا الجيل مؤهل لأن يكون جزءًا من جيش المهدي؟
-هل تختزن الجماعات الإسلامية والحوزات هذا المستوى من الصبر والصدق والنقاء؟
-هل وصل الوعي الجمعي إلى لحظة استحقاق الغيب؟

هذه الأسئلة لا تنتمي لرفاهية التنظير بل تفرضها مجريات الواقع -مقاومات تنهض
-محاور تتشكل
-عروش تهتز
-وأمم تُختبر
وسط هذا الزلزال من هو المنتظر حقًا؟
-أهو الذي يربط مصيره بالغيب فينزوي؟
-أم من يرى في كل لحظة اشتباك فرصة للاقتراب من الظهور؟

– بين زمنين:
من الانتظار إلى التمهيد
إن اللحظة الراهنة تكاد تمثل منعطفًا في فهم مفهوم “الانتظار” لم يعد كافيًا أن نُردد الروايات بل أصبح من الواجب أن نُمارس روحها
١-أن نبني
٢-أن نُقاوم
٣-أن نُعيد ترتيب العلاقة بين الغيب والواقع.
المُنْتِظِرْ الحق لا يهرب من السياسة بل يُخضعها لمنظومة الغيب لا يفرّ من الاقتصاد بل يعمل على تأسيس نماذج اقتصادية تحفظ الكرامة وتُجهّز الأمة لا يعتزل الإعلام بل يقتحمه ليحمل فيه صوت الحق

– وهنا تنقلب المعادلة—
فالانتظار ليس نهاية للفعل بل بدايته ليس تبريرًا للسكوت بل نداءً للتحرك هو الموقف الأكثر جذرية في وجه الطغيان لأنه لا يرى في اللحظة سقفًا للتاريخ بل يراها مرحلة من مراحل الوعد الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار