العراق: بين مطرقة الاتهام وسندان حماية الثروة
(17 تموز 2025)
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
تُعد شركة الناقلات النفطية العراقية، بصفتها الناقل الوطني الحصري للمنتجات النفطية، ركيزة اقتصادية حيوية، تُعهد إليها مهمة حماية ونقل ثروة العراق السيادية. إلا أن موجة من التساؤلات والاتهامات بدأت تحيط بها مؤخراً، مثيرةً جدلاً واسعاً حول أسباب تجاهلها لقرارات مجلس الوزراء، وحول دور بعض الشخصيات المثيرة للجدل في هذا السياق. هذا الجدل يدفعنا للتساؤل: هل تهدف هذه الاتهامات إلى تصحيح مسار الشركة فعلاً، أم أنها تحمل أهدافاً أبعد؟
في القطاع النفطي العراقي، تتضح الأدوار بجلاء: شركة تسويق النفط (سومو) هي المسؤولة عن عقود بيع وشراء النفط، بينما تختص الناقلات حصرياً بمهمة نقله. لا تمتلك الناقلات صلاحية تحديد المشترين أو الأسعار أو إبرام العقود المالية. لذا، فإن اتهامها بالتلاعب بالأموال أو العقود يبدو متعارضاً مع اختصاصاتها الأساسية. وإذا كانت هناك شبهات حول التلاعب بالكميات أو خلط النفط أو تبديل أعلام الناقلات، فإن هذه الأفعال تُنسب إلى أفراد من الكوادر أو مسؤولين متورطين، وليس إلى الشركة ككيان. ومن المفترض أن تقوم الشركة نفسها بمحاسبة هؤلاء المقصرين.
لكن ما يثير القلق العميق هو أن هذه التجاوزات المزعومة، إلى جانب عدم استجابة إدارة الشركة لقرارات مجلس الوزراء، قد لا تكون مجرد خلل إداري بسيط يمكن معالجته بإجراءات روتينية مثل عزل الإدارة. فالصعوبة في تطبيق هذه الإجراءات تشير بقوة إلى أن الشركة قد تكون خاضعة لنفوذ سياسي أو حزبي يتجاوز السلطة الحكومية الرسمية، مما يمنح إدارتها حصانة من المساءلة ويسمح لها بتحدي الأوامر أو توجيه العمل لخدمة مصالح خاصة.
هذا السيناريو يقودنا إلى تخوف مشروع: بأن هذه التقارير، التي قد تضخّم الشبهات أو تُعممها، تهدف في جوهرها إلى “تسقيط” سمعة الشركة الوطنية. فإظهار “الناقل الوطني” بمظهر الفاسد أو غير الكفؤ يمكن أن يصبح ذريعة لفتح الباب أمام الاستثمار الخاص أو الأجنبي في قطاع حيوي كان حكراً على الدولة، أو حتى لخصخصة أجزاء من عمل الشركة السيادي، بحجة “تحسين الأداء” أو “مكافحة الفساد”. إن مطالبة الشركة بحصر النقل بها هو حقها المشروع، إذ لا يجوز التعاقد على نقل النفط مع جهات أخرى ما لم تُظهر الشركة عجزاً حقيقياً عن تلبية الطلب. وهنا يبرز التساؤل عما إذا كان هناك سعي لإظهار هذا العجز بشكل مصطنع لتهيئة الأرضية لإبعادها. هذا النمط من إضعاف وتحجيم الكيانات الوطنية وتحويلها إلى مجرد “وجود شكلي” لوحظ للأسف في قطاعات أخرى بالعراق على مدى العقد الماضي.
إن الأزمة التي تحيط بشركة الناقلات النفطية العراقية ليست مجرد قضية فساد إداري فردي؛ بل هي انعكاس لتحديات أعمق في الحوكمة والنفوذ السياسي الذي يؤثر على المؤسسات الحكومية. الحفاظ على “الناقل الوطني” قوياً وشفافاً يتطلب إرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار، وتُحارب الفساد من جذوره لا أن تستخدمه كذريعة لتهميش ما بُني لخدمة الوطن
زر الذهاب إلى الأعلى