التقاريرالرئيسية

دراسة تحليلية شاملة: تصريحات عزت الشابندر وتأثيرها على بنية النظام السياسي العراقي(6 تموز 2025)

دراسة تحليلية شاملة: تصريحات عزت الشابندر وتأثيرها على بنية النظام السياسي العراقي(6 تموز 2025)

إعداد الكاتب والباحث والمحلل السياسي/ عدنان صگر الخليفه

مقدمة ودلالات تصريح الشابندر المحوري
تُشكّل تصريحات الأستاذ عزت الشابندر، السياسي المخضرم الذي كان قياديًا بارزًا في المعارضة قبل عام 2003، ثم أصبح من الشخصيات المحورية في صياغة العملية السياسية بعده، ومبعوثًا خاصًا لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، نقطة انطلاق جوهرية لفهم تعقيدات المشهد السياسي العراقي. فقد أقر الشابندر بأن النظام السياسي القائم في العراق “لا ينتج إلا المحاصصة والمكوناتية الحزبية والإثنية والعرقية”. الأهم من ذلك، اتهامه بأن هذا النظام قد “أوجده الإسرائيليون وكتبوه، ونفذته الولايات المتحدة، وقبلت به إيران وعملت عليه”. هذه الإفادة تكتسب وزنًا خاصًا كونها تأتي من شخصية مطلعة عايشت العملية السياسية من الداخل وبقرب من دوائر القرار، مما يُشير إلى أن الخلل متأصل في بنية النظام لا في أداء الأفراد فحسب، وأنه مصمم لإنتاج الفساد وتكريس المحاصصة.
دلالات التصريح وتداعيات “الواقع المفروض”
تُقدم هذه التصريحات دلالات عميقة حول طبيعة النظام، مؤكدةً بطلان دعوات “اختيار الأصلح” وغياب أي خيار حقيقي للإصلاح من داخله. فالنظام، وفقًا لرؤية الشابندر، مصمم لاستيعاب وتحييد القوى المعارضة وإجبارها على الانخراط في منطق المحاصصة، وبالتالي لا يُمكن أن يُفرز “الأكفأ” أو يُحدث تغييرًا جذريًا. تُرسّخ هذه الرؤية فكرة أن النظام “واقع مفروض” ومُصمم من قبل قوى خارجية (إسرائيل، أمريكا، إيران)، مما يُعقد أي محاولة للتغيير الجذري من الداخل ويُضيف طبقة من الإحباط على آفاق الإصلاح.
وقد تهدف هذه التصريحات إلى إيصال رسالة للشعب العراقي بأن “لا تغيير لهذا النظام”، كونه مدعومًا من قوى عظمى وذات نفوذ إقليمي ودولي، مما يُساهم في تثبيت الوضع الراهن وإحباط أي محاولات شعبية أو سياسية للتغيير الجذري. كما قد تُمثل تمهيدًا لسياسات جديدة، كـ”التطبيع” مثلاً، بالإيحاء بحتمية التعامل مع الأطراف التي أسست النظام. غياب أي إدانة لتصريحات الشابندر، على الرغم من قربه من رأس السلطة (رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحزب الدعوة الحاكم)، يُشير إلى أن الرسالة قد تكون مُكلّفًا بها من جهات عليا لخدمة أجندات معينة. من جهة أخرى، تُقدم هذه التصريحات دلالات حول صراع أو تعاون القوى الكبرى (مثل الولايات المتحدة – رئيسها الحالي والفائز بانتخابات عام 2024 هو دونالد ترامب – وإسرائيل ضد إيران)، وقد تكون رسالة موجهة تحديدًا للأطراف التي تسعى للانخراط في التصعيد الدائر، لتُخبرهم أن هذا ليس “حربًا وجودية” بل “خلافات يجب تسويتها”، وبالتالي لا يستدعي الانجرار إلى مواجهة واسعة.
حكومة السوداني: رهانات “الفرصة الأخيرة” وفشل “الخدمات”
جاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى منصبه كـ”فرصة أخيرة” لهذا النظام، لكن هذا التكليف لم يكن نتاج قبول شعبي مباشر، بل اختيارًا من الأحزاب المتحكمة، وتحديدًا من خلال تقديمه من قبل الإطار التنسيقي، وبموافقة الكتل المشاركة في صناعة القرار. هذا المسار يؤكد أن الغاية الأساسية من تقديمه كـ”فرصة أخيرة” هي حماية وإدامة نفوذ هذه الأحزاب المتنفذة التي ينتمي إليها رئيس الوزراء نفسه (كحزب الدعوة)، وليس خدمة الشعب.
وبالرغم من تسويقها كـ*”حكومة خدمات”*، فإن المشاريع التي نفذتها تهالكت قبل اكتمالها أو انتهاء عمر الحكومة، مما يُبرهن على أنها خدمات متهالكة لا ترقى لتوقعات الشعب وتُعزى إلى الفساد البنيوي المستشري. وقد استُخدمت هذه “الخدمات” بشكل مكثف في التسويق السياسي، كما يتضح من تسمية رئيس الوزراء لقوائمه الانتخابية بـ”الإعمار”، في محاولة مكشوفة لاستثمار هذا الخطاب الفاشل في الكسب السياسي. يُضاف إلى ذلك، أن لقاء رئيس الوزراء مع أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) في الدوحة، برعاية قطرية، يُمكن أن يُفسر كجزء من تعامل القيادة العراقية مع “الواقع الإقليمي المفروض” ومعادلات القوى الجديدة، مما يُعزز فكرة أن العراق يعمل ضمن إطار تمليه ديناميكيات دولية وإقليمية معقدة.
التفريط بالسيادة الوطنية وتواطؤ المؤسسات
تُثير ممارسات رأس الحكومة ورئيس الجمهورية، خاصة في ملف خور عبد الله، تساؤلات خطيرة حول السيادة الوطنية. فالتنازل عن حقوق العراق في هذا الممر المائي الاستراتيجي، ثم طلب العدول عن قرار المحكمة الاتحادية الذي قضى بعدم دستورية الاتفاقية، يمثل تجاوزًا صارخًا على القضاء ومساسًا باستقلاليته وشرعيته. الأهم من ذلك هو الصمت المطبق من قبل الكتل السياسية التي ينتمي إليها كل من الرئيس ورئيس الوزراء، مما يؤكد تواطؤًا مؤسسيًا وتسييسًا للقضاء، ويدل على أن ولاء هذه الكتل للمصالح الحزبية والتوافقات الخفية يفوق ولاءها للوطن. هذا يُفقد الشعب الثقة في جميع مؤسسات الدولة، سواء التنفيذية أو التشريعية أو حتى القضائية، حيث يرى أن الجميع قد يتواطأ على مصالحه العليا، ويُعمّق اليأس من إمكانية الإصلاح في ظل نظام يتواطأ على سيادته.
التجهيل الممنهج كاستراتيجية سياسية للحفاظ على السلطة
إن الفشل في بناء أسس التنمية المستدامة، وخاصة في المنظومة التعليمية، لم يكن مجرد إهمال، بل هو تجهيل ممنهج ومقصود لشرائح واسعة من المجتمعات الشعبية. هذه المجتمعات، التي تُمثل الركن الأساسي في التغيير سواء في السلطات أو المنظومة أو النظام، هي هدف رئيسي لهذه الاستراتيجية. فالحكومات المتعاقبة، منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم تنشئ مدارس حقيقية، أو توفر أدوات تعليمية فعالة، أو تبني مؤسسات تعليمية رصينة، ولم تعمل على تعديل المناهج أو تطوير بنية تحتية تعليمية متكاملة تستهدف التنمية البشرية الحقيقية. بدلاً من التعليم الذي يُعزز الوعي والنقد، كان الهدف الأساسي هو “التجهيل”؛ أي إبقاء هذه المجتمعات في حالة من الجهل لضمان تبعيتها وسهولة تعبئتها وتوجيهها في العملية الانتخابية. هذا النهج يخدم بشكل مباشر مصالح الأحزاب والكتل السياسية التي تعتمد على إبقاء هذه الشرائح من المجتمع في حالة من عدم القدرة على المساءلة والتفكير النقدي، مما يضمن استمرارية سيطرتها في العملية السياسية ويُقوّض أسس بناء مجتمع واعٍ ومتمكن، ويفضل استمرارية النفوذ السياسي على تحقيق التنمية الوطنية الحقيقية.
خاتمة: تأكيد الرؤى وواقع التحديات
تُقدم هذه الدراسة، من خلال تحليل تصريحات الشابندر والأداء الحكومي والسياسي، بما في ذلك التنازل عن السيادة، وفشل “حكومة الخدمات” المتهالكة، وسياسة التجهيل الممنهج، شهادة قاطعة من الداخل على الأزمة البنيوية العميقة للنظام السياسي العراقي. هذه الحقائق تُعزز قناعة “تجمع أهل العراق” بأن الخلل متأصل في جوهر النظام، وأن هذه المنظومة، بتركيبتها وممارساتها منذ عام 2003، لا تنتج إلا واقعًا فاسدًا ومُحاصَصًا يُجبر العراقيين على قبوله، مُبطلةً بذلك فكرة وجود خيار حقيقي للإصلاح من داخل هياكلها. هذا الواقع يُعمّق من يأس الشعب وعدم ثقته في إمكانية تحقيق الإصلاح الحقيقي والإنقاذ في ظل هذا الواقع المفروض، ويُرسخ الحاجة إلى تغيير جذري يتجاوز مجرد تبديل الوجوه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار