“العراقية” بوصلة التغيير: نحو وطن موحد ومجتمع مراقب (28 يونيو 2025)
إعداد/الكاتب والباحث والمحلل السياسي/عدنان صگر الخليفه
المقدمة
يجد العراق نفسه اليوم، بعد أكثر من عقدين من الزمن، أسير دائرة مفرغة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فما كان يُفترض أن يكون مرحلة بناء وتنمية بعد التغييرات الكبرى، تحوّل إلى واقع مرير يعيث فيه الفساد والمحاصصة والتقسيم في مقدرات الوطن. لقد أصبحت الهوية الوطنية الجامعة مهددة بفعل سياسات تعمّق الانقسامات على أساس المكونات الطائفية، المذهبية، والقبلية، محوّلةً الشعب إلى مجرد وقود لمصالح نخبة سياسية عاثت بالأرض فسادًا. هذا البحث يسعى إلى تقديم رؤية بديلة ومسار عملي للخروج من هذا النفق المظلم، مؤمنًا بأن الحل يكمن في استعادة جوهر “العراقية” وإعادة السلطة والرقابة إلى يد المواطن.
أزمة الهوية والتمثيل السياسي: استغلال الانتماءات لترسيخ الفساد
لقد تحولت العملية السياسية في العراق، منذ عام 2003، إلى ساحة لتكريس الانقسامات بدلاً من تجاوزها. فالمكوناتية والمذهبية والقبلية أصبحت أدوات يتم استغلالها ببراعة من قبل أطراف سياسية لضمان السيطرة على مفاصل الدولة ومقدرات الشعب. يتم الترويج لفكرة “ممثل المكون” أو “حامي المذهب” كسبيل وحيد للتمثيل، مما يحصر خيارات المواطن ويمنعه من اختيار الأكفأ والأكثر نزاهة. بل وصل الأمر إلى حد التوصيم الاجتماعي، وربما حتى التكفير، لكل من يجرؤ على الخروج عن هذه الولاءات الضيقة، مما يقمع حرية الاختيار ويحول دون ظهور قيادات وطنية جامعة. هذا النهج أدى إلى إهدار الثروات وتبديد الخيرات، وجعل الأرض العراقية “متصحرة” من سياسات عقيمة لا تخدم إلا مصالح فئات محدودة. إن الهدف من هذه الممارسات هو الحفاظ على المكتسبات الشخصية، سرقة أموال ومقدرات الشعب، والإبقاء على نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية المقيتة، حيث يُستخدم الشعب “وقودًا لفسادهم” وللحفاظ على مواقعهم.
رؤية “تجمع أهل العراق” للوحدة الوطنية: “العراقية” أولاً
لقد أثبتت التجربة على مدار عقدين من الزمن أن الانصياع للولاءات الضيقة لم يؤد إلا إلى ترسيخ الفساد وتقويض أسس الدولة. لذا، فإن رؤية “تجمع أهل العراق” ترتكز على مبدأ “العراقية” كجامع أساسي يسمو فوق كل الانتماءات الفرعية. نحن نؤمن بأن الشعب العراقي هم أشقاء يجمعهم وطن واحد، وأرض واحدة، وسماء واحدة، لهم آباء وأمهات واحدة في الهوية الوطنية الجامعة. إن الوحدة العقائدية، بمعنى الإيمان بالوطن والمواطنة الصادقة، هي الأساس الذي يجب أن يُعمل عليه. لذا، نعلن التزامنا بمبدأ العراقية وأخوتنا في هذا الوطن، ولن نلتزم أبدًا بالمذاهب سواء كانت سنية أو شيعية أو حنفية أو غيرها من الديانات الموجودة في العراق، فالدين هو معتقد شخصي للفرد ولا يجب فرضه على الآخرين في مجتمعاتنا، خاصة إذا كان القصد من ذلك هو خلق الطائفية والإثنية في المجتمع العراقي. فنبينا واحد وإلهنا واحد، ولا نريد تقسيم أنفسنا أو أنبياء إلهنا. هدفنا هو الخروج من هذه الدائرة المغلقة التي فُرضت علينا كشعب.
معايير التمثيل السياسي البديل: الكفاءة والنزاهة فوق الانتماء
في ظل هذه الرؤية، يصبح معيار اختيار ممثلي الشعب مختلفًا تمامًا. فالمعيار الجديد يقوم على النزاهة، الكفاءة، والرغبة الصادقة في خدمة المجتمع ككل، بغض النظر عن الانتماء المناطقي أو المذهبي. فابن الأنبار النزيه والكفؤ الذي يسعى للتغيير الحقيقي وخدمة المجتمع هو أصلح من ابن ميسان أو البصرة الفاسد الذي يسعى للمنصب والسلطة والفساد، والعكس صحيح تمامًا. الهدف هو تقديم من يرغب في التغيير والبناء، لا من يعيث فسادًا في الأرض أو يسعى لتحقيق مكاسب شخصية عبر المسميات الضيقة. سنكون ضد أي مرشح أو نائب يروج لنفسه على أنه “ابن المكون” أو “أتى لحماية هذا المذهب”، وسنعمل على عدم نجاحه في تحقيق مكتسباته أو مناصبه من خلال هذا المجتمع.
المعارضة الإيجابية: من الرؤية إلى العمل الميداني وتمكين المواطن
إيمانًا منا بضرورة التحرك الإيجابي، بدأنا بتأسيس “المعارضة الإيجابية” من خلال مشاريع مجتمعية نوعية انطلقت فعالياتها منذ أشهر. هذه المشاريع لا تقتصر على النقد، بل تركز على مراقبة وتقييم عمل الحكومة، سواء المركزية أو في المحافظات، وعرض هذا التقييم بشفافية أمام المجتمع العراقي. الهدف هو تمكين المواطن العراقي ليصبح هو الحكم، والحاكم، ومن يميز الفساد من المراد بناؤه. نريد للمواطن أن يكون هو المشرف على الأعمال، وهو الذي يقيم ويفضح الفساد، وهو الذي يرى بعينه كيف تُبدد خيرات وطنه وثرواته وكيف لا يتم الحفاظ على أمنه وسيادته، ليصبح صاحب القرار الحقيقي.
وفي هذا الإطار، نركز بشكل خاص على إشراك الشباب والفئة العشائرية في هذه الآلية، لبيان كيفية العمل على أن يكون العراقي هو الحكم والحاكم. والأهم من ذلك، أننا نسعى لتقديم أبنائنا، الشباب الذين لا ينتمون لهذه الأحزاب والكتل الفاسدة، ليكونوا قادة هذا المجتمع. هؤلاء الشباب هم من سيبنون لآبائهم وأمهاتهم، وهم من سيحمون هذا البلد أرضًا وسماءً وماءً لتكون مسؤوليتهم متضامنة، وهم من يقودون هذا المجتمع إلى بر الأمان. وبناءً على هذه الرؤية، فإننا نرفض أي انتخابات تحمل معاني التقسيم الضيقة أو تفرض مرشحين على أساس المكون أو المذهب، لأننا لا نقبل بأي انتخابات تحمل هذه المعاني الضيقة.
الخاتمة: نحو عراق المواطنة الحقة
إن مسيرة التغيير الحقيقي في العراق تبدأ برفض الانصياع للمسميات الضيقة التي أطلقها وعمّق ركائزها السياسيون الذين عاثوا بالوطن فسادًا. لقد آن الأوان لأن يصبح الشعب العراقي هو صاحب الكلمة العليا، وأن يتمكن من فرز الخبيث من الطيب في المشهد السياسي. إن “تجمع أهل العراق” يضع على عاتقه مهمة بناء وعي وطني جديد قائم على وحدة الهوية العراقية، وعلى مبادئ النزاهة والكفاءة في اختيار القيادات. عبر “المعارضة الإيجابية” ومشاريعها الميدانية لرقابة الحكومة وتمكين المواطن، نسعى لبناء جيل جديد من القادة الشباب الذين لا ينتمون للكتل الفاسدة، ويسعون بصدق لخدمة وطنهم بكل أطيافه ومكوناته. هذا هو الطريق الوحيد لإخراج العراق من الدائرة المغلقة، وإعادته إلى بر الأمان كوطن واحد موحد مزدهر، يحفظ كرامة أبنائه ويصون سيادته.
زر الذهاب إلى الأعلى