من الميدان إلى الخنادق الخفية: استراتيجية أمريكا لإنهاك إيران
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
تتصاعد ألسنة اللهب بين إسرائيل وإيران، وواشنطن تبتعد عن صراع عسكري مباشر. هذا الموقف، الذي يتبناه دونالد ترامب، هو إدراك أمريكي راسخ لحقيقة أن حرباً شاملة مع إيران ستكون كارثة. إيران، بقدراتها الصاروخية ومواقعها المحصنة وعقيدة الاستنزاف، تمثل خصماً قادراً على كشف حدود القوة الأمريكية أمام منافسين عالميين كالصين وروسيا، مما يقوض الردع والهيبة الأمريكية. هذه الحرب لن تحل مشكلة البرنامج النووي، بل قد تزيدها خطورة وتؤدي إلى فوضى عارمة.
لذا، يبرز “الضغط الأقصى” عبر العقوبات الاقتصادية المشددة كمشروع استراتيجي أمريكي بديل. الهدف هو خنق النظام الإيراني اقتصادياً. لكن هذا المسار يواجه تحدياً حاسماً: العراق.
فعالية أي عقوبات دولية على إيران لن تتحقق بالكامل ما لم يُغلق الشريان الحيوي الذي يربط طهران بالعالم الخارجي عبر العراق. الحكومة العراقية الحالية والأحزاب المهيمنة فيها، المرتبطة بالنظام الإيراني، تشكل نقطة ضعف كبرى في جدار العقوبات. التهريب والتحويلات غير الرسمية تُمكّن إيران من الالتفاف على الحصار.
لتحقيق الأثر الكامل للعقوبات، تتبنى واشنطن رؤية استراتيجية مفادها ضرورة استبدال هذه الأحزاب الحاكمة في العراق بأخرى ذات ميول وطنية خالصة ومستقلة عن النفوذ الإيراني. هذا لا يعني تدخلاً عسكرياً أمريكياً في العراق، بل تركيز الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية لدعم تغيير في المشهد السياسي الداخلي هناك.
هذا التحول في التركيز يشكل مشروعاً استراتيجياً أمريكياً كبيراً، يُعتبر أكثر أماناً وأقل تكلفة من أي مواجهة عسكرية شاملة. تغيير المشهد السياسي في العراق ليصبح مستقلاً عن النفوذ الإيراني يمثل المسار الذي ترى واشنطن أنه سيُمكنها من تقويض طهران، وتجنب سيناريو الحرب المدمر، وإعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة بطريقة أكثر استقراراً وبتكاليف يمكن التحكم فيها. هذا هو المحور الجديد للحسم الذي تسعى إليه الولايات المتحدة، بعيداً عن فوهات المدافع.
زر الذهاب إلى الأعلى