رؤية سياسية شيعية عراقية لمواجهة تداعيات الصراع الدولي على
” أرض الحرام”
علاء الطائي
في خضم التحولات العميقة التي تعصف بالمنطقة، يقف العراق عند مفترق طرق لا يسمح له بالاختباء خلف شعارات الحياد أو الاحتماء بمنطق “النأي بالنفس” هذا الصراع الذي تتداخل فيه الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، ومحور المقاومة من جهة أخرى، لم يعد صراعًا بعيدًا عن الجغرافيا العراقية، بل أصبح يُخاض فوق أرضنا وتحت سمائنا وبين حدودنا.
هذه معركة تجري على
“أرض الحرام” أرض لا ينبغي أن تكون مستباحة لكل من يريد تصفية حساباته فوقها لكن في الوقت نفسه، لا يمكن للعراق أن يتخذ موقف المتفرج، ولا أن يلوذ بالصمت حين تتعرض حليفته التي وقفت معه في أشد أزماته للعدوان.
مع من نقف؟
الذاكرة العراقية لم تجف بعد، نحن نعرف من وقف معنا ومن تركنا. نعرف من أغلق الأبواب في وجوهنا ومن فتحها، نعرف من دعمنا حين كان الوطن على شفير السقوط ومن اكتفى بالمشاهدة من خلف الشاشات.
حين فرض الحصار على العراق لعقود، وقفت إيران معنا.
حين غزت الولايات المتحدة البلاد وأسقطت الدولة، وقفت إيران معنا.
حين زحفت داعش إلى أسوار بغداد وقفت إيران معنا.
من الذي تخلى عنا؟
أمريكا التي غزتنا ثم تركتنا للخراب.
من الذي تنصل من دمائنا؟
دول الجوار التي أغلقت حدودها وفتحت شاشاتها لتحريض طائفي لا ينتهي.
إيران الإسلامية لم تكن حليفًا طارئًا ولا ضيفًا عابرًا، هي وقفت حيث غاب الآخرون، ودعمت حيث خان الآخرون.
اليوم، تتعرض إيران الإسلامية لعدوان سافر من قبل الكيان الصهيوني عدوان يجر المنطقة نحو مواجهات مفتوحة.
في هذه اللحظة المفصلية، تُطرح على العراق أسئلة وجودية:
مع من نقف؟
هل نلوذ بالحياد؟
هل نصمت؟
هل نتوارى خلف وهم “النأي بالنفس”؟
الحياد موقف بلا كرامة
منطق السياسة البراغماتية يقول:
قف على الحياد لتحمي مصالحك، لكن منطق القيم والدين والتاريخ يقول: الحياد في معركة الحق والباطل هو خيانة.
ليس من شيم الرجال أن يترددوا في ساعة الموقف.
ليس من إرث الحسين أن نقف في المنتصف بين الظالم والمظلوم.
ليس من وفاء العراقيين أن ننسى من وقف معنا يوم تخلى عنا الجميع.
النأي بالنفس ليس إلا غطاءً للجبن. الحياد في معركة كهذه ليس إلا انحيازًا صامتًا للطرف الأقوى، الحياد يعني أن نبيع ضميرنا كي نحمي رأسنا، وحين نفعل ذلك، سنخسر الاثنين.
العراق ليس ساحة بلا موقف
نحن لا نقول إن العراق يجب أن يتحول إلى منصة قتال بالنيابة.
لكننا نقول إن العراق يجب أن يكون حاضرًا بموقفه، صريحًا في خياره، واضحًا في وجهته.
“أرض الحرام” تعني أن العراق ليس حديقة خلفية لأحد، لكن تعني أيضًا أن العراق ليس بلا ضمير.
أن نمنع استباحة أرضنا لا يعني أن نُخرِس صوتنا.
أن نحمي سيادتنا لا يعني أن نساوي بين الظالم والمظلوم.
العراق يجب أن يقول كلمته:
نحن مع من وقف معنا.
نحن مع من نصَرنا حين كنا نُذبَح.
نحن مع من فتح لنا أبوابه حين أغلقت الدنيا علينا.
مدرسة علي والحسين
الوجدان الشيعي ليس وجدانًا مترددًا.
تاريخ الشيعة ليس تاريخ الحياد.
منذ كربلاء حتى اليوم، نحن أبناء مدرسة الحسين:
إما مع الحق أو مع الباطل.
لا مساحة رمادية في القيم التي تعلمناها.
في طريقنا نحو محرم، وفي ظل هذه الأحداث التي تعصف بالمنطقة، علينا أن نستعيد وضوح البوصلة:
أن نكون مع المظلومين ليس خيارًا سياسيًا بل التزام ديني وأخلاقي وإنساني.
الحياد في معركة اليوم
-إسقاط للثوابت.
-التردد إسقاط للكرامة.
-النأي بالنفس إسقاط للمبادئ.
-العراق يجب أن يُسمِع صوته
-ويُظهر موقفه
– ويرفض أن يكون ساحة مستباحة بلا هوية، ولا موقف، ولا ذاكرة.
الخلاصة
نحن لا ندعو لحرب، لكننا نرفض أن نكون بلا موقف.
نحن لا نبحث عن عداء، لكننا نرفض أن نبيع المظلومين.
هذه هي مدرسة علي والحسين التي تربينا عليها.
وهذا هو العراق الذي نريده:
عراق يُحسب له حساب، ويُسمَع له صوت.