الرئيسيةالمقالات

خنق الروح الوطنية: شهادة على ظلم النخب ونزف السيادة

خنق الروح الوطنية: شهادة على ظلم النخب ونزف السيادة

بقلم/ عدنان صگر الخليفه
(17/يونيو/2025)

 

يتكشف المشهد أمامنا كقصة مأساوية تتكرر فصولها عبر العصور، حيث تتآمر أيادٍ داخلية وأخرى خارجية على صميم الروح الوطنية. فالحكومات، تلك التي تُصعدها الأحزاب المتحكمة لا لخدمة الأمة بل لتجسيد مصالح ضيقة، تُصبح بحد ذاتها أداة طيعة في يد نفوذٍ خارجي لا يكتفي بسرقة القرار السيادي بل يمعن في نهب المقدرات، مُدشنًا بذلك عهدًا من التبعية المُذلة. إنها سياساتٌ لا تُعرّي ضعفًا عابرًا، بل تُشير إلى خيارٍ واعٍ من قِبل من يتولون دفة الحكم، يفضلون فيه موائد الفساد على كرامة الأوطان. ومن هنا، تُزرع بذور الكراهية لا بين أعداءٍ تقليديين، بل في نسيج المجتمع الواحد وبين الشعوب المتجاورة، كلٌ يرى في الآخر شريكًا في مأساته أو مستفيدًا من استنزافه.
لقد طفح الكيل، فالنخب التي تلبس عباءة المظلومية لتعتلي العرش، سرعان ما تتحول إلى جلادٍ لا يتوارى عن ظلمه، بل يزداد فتكًا ونهبًا، متناسين أن للظلم نهاية. تلك الأحزاب، التي ترقص على إيقاع “أسيادها” الخارجيين، تظن أن دعمهم سيُديم سلطانها، لكنها تجهل أن علاقة السيد بعبده لا تقوم إلا على المنفعة، ومتى انقضت هذه المنفعة، فالمصير هو الإهمال أو الرمي. الشعب الذي بات يرى بأم عينه كيف تُسلب ثرواته وكيف يُتحكم في مصيره، قد تجاوز مرحلة التخدير بالخطابات البالية؛ خطاب الدين والمذهب، أو تمجيد الرموز التاريخية. هذه الأدوات، التي كانت ذات يوم ملاذًا، أصبحت اليوم عاريةً ومثيرة للاشمئزاز، لأنها تُستخدم كقناعٍ رقيق يخفي وراءه قبح الفساد وخيانة الأمانة.
لذا، فإن اتهام هذا المجتمع بـ”التخوين” حين يرفض الذل أو يمتنع عن الدفاع عن جلاديه، هو محض افتراءٍ لا يستند إلى ذرة من الحقيقة أو الأخلاق. فالخيانة الحقيقية هي تلك التي ارتكبها من أوصلوا الأمة إلى هذا الدرك الأسفل، عبر سياساتٍ متعمدة ومعاكسة لكل ما يصبو إليه الشعب. ومحاولات استرضاء هذا المجتمع، بعد أن بلغ به اليأس مبلغًا، هي ليست إلا محاولات يائسة للتنصل من المسؤولية وتجديد لدورة الاستغلال. فالمسؤولية تُلقى كاملةً على عاتق الراعي الذي نسي رعيته، ومن طبيعة الإنسان، إذا أُحكم الخناق عليه، أن يرفس بكل ما أوتي من قوة. تلك “الرفسة” ليست تمردًا عابثًا، بل هي صرخة بقاء، وشهادة مدوية على حجم القهر، ورفضٌ قاطع لكل من يُخون الروح الوطنية ليُعلي مصالحه الدنيئة على أنقاض كرامة الأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار