الصراع الإيراني-الإسرائيلي: تضارب الروايات ونتائج الصمود غير المتوقع
إعداد الكاتب والباحث/ عدنان صگر الخليفه
16/يونيو/2025
مقدمة
يشهد الشرق الأوسط توترات متصاعدة، تتجلى في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران. في خضم هذه الأحداث، تبرز روايات متضاربة من الأطراف المعنية، خاصة فيما يتعلق بقدرات إيران العسكرية والنووية، ومدى فعالية الضربات المتبادلة. يهدف هذا البحث إلى تحليل هذه الروايات، وكشف التناقضات الظاهرة، واستخلاص النتائج المترتبة على استمرار هذا الصراع، خاصةً في ظل سيناريو افتراضي شهد ضربات مكثفة على إيران وردودًا إيرانية مستمرة.
الرواية الرسمية: النصر الإسرائيلي المزعوم
تروّج إسرائيل وحلفاؤها، بدعم من بعض المدونين والمحللين، لرواية تشير إلى تفوق عسكري وتكنولوجي كاسح. ففي السيناريو الذي ناقشناه، أُعلن عن القضاء على القيادة الإيرانية من الخط الأول، وهو هدف يسعى لشل قدرة إيران على اتخاذ القرار. كما زعمت إسرائيل إنهاء الدفاعات الجوية الإيرانية، ما فتح المجال الجوي الإيراني بالكامل للطيران الإسرائيلي، وأتاحت ضرب البنى التحتية الحيوية، بما في ذلك المطارات، قواعد الصواريخ، و”المنشآت النووية الهامة”. وقد تضمن هذا الإعلان أيضاً القضاء على البرنامج النووي الإيراني لضمان إزالة التهديد النووي المزعوم. تهدف هذه الرواية إلى إظهار قدرة إسرائيل على تحقيق نصر حاسم وسريع، وتثبيت ردعها، وطمأنة حلفائها.
تناقضات صارخة: الواقع الميداني يكشف المغالطات
على الرغم من هذه الادعاءات، تكشف التطورات التي ناقشها هذا البحث تناقضات جوهرية تشير إلى أن الرواية الرسمية لا تتوافق بالكامل مع الحقائق المحتملة على الأرض. بشكل لافت، لم تُشل إيران، بل استمرت في توجيه ضربات صاروخية يومية على أهداف استراتيجية في تل أبيب. هذا الاستمرار، رغم الإعلان عن تدمير قواعد الصواريخ وشل القيادة، يشير إلى مرونة فائقة في القيادة والتحكم من خلال وجود خطوط قيادة بديلة تضمن استمرارية العمليات، وقدرات صاروخية متوزعة ومحصنة لم تتمكن الضربات الإسرائيلية من تدمير جميع منصات الإطلاق أو المخازن، مما يدل على تحصين عميق أو انتشار جغرافي واسع. كما يعكس هذا الوضع فشل الردع الإسرائيلي وعدم قدرة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية على صد جميع الضربات الإيرانية، مما يشير إلى إما تشبع دفاعي أو قدرات إيرانية متقدمة على الاختراق.
وفي جانب آخر، إذا كانت إسرائيل قد “دمرت المفاعلات النووية” الإيرانية التي يُزعم أنها تحوي كميات “هائلة من اليورانيوم المخصب” (تكفي لأكثر من أربع قنابل نووية وفقًا لتقديرات دولية)، فإن المنطق العلمي يحتم حدوث كارثة تلوث إشعاعي واسعة النطاق. فأشعة جاما، النيوترونات، الانشطار النووي، والبلوتونيوم كلها عناصر تؤدي إلى انبعاثات خطيرة تنتشر عبر الرياح لتصيب مناطق واسعة في إيران والدول المجاورة مثل العراق، دول الخليج، باكستان، أفغانستان، أذربيجان، وأرمينيا. إن غياب الأدلة على هذا التلوث الكارثي يشير بقوة إلى أن المنشآت الحساسة التي تحوي المواد المشعة الخطيرة لم تُدمر بالكامل، أو أن المزاعم حول امتلاك إيران لتلك الكميات في المواقع المستهدفة غير دقيقة. هذا يدعم نظرية أن الإعلان عن “إنهاء البرنامج النووي” هو جزء من الحرب الإعلامية، وليس حقيقة ميدانية كاملة.
دلالات “البرنامج الموازي” و”العناد الفارسي”
تُعزز هذه التناقضات بما صرح به أحد علماء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الخطر ليس في المنشآت المعلنة، بل في “البرنامج الموازي” الذي قد تعمل عليه إيران سرًا. هذا يشير إلى أن إيران قد تكون طوّرت قدرات نووية وصاروخية في منشآت سرية ومحصنة، يصعب على الاستخبارات اكتشافها أو على الضربات العسكرية تدميرها. هذا التخطيط الاستراتيجي يفسر كيف أخذت إيران احتياطاتها للاغتيالات المحتملة أو الضربات العسكرية التي قد تنهي الخط الأول العسكري، من خلال إيجاد خطوط ثانية وثالثة تتيح لها السيطرة العسكرية على إصدار الأوامر والخطط الدفاعية. كما يلعب “العناد الفارسي” دورًا ثقافيًا وتاريخيًا مهمًا في صمود إيران. فالتحمل والصبر الاستراتيجي، والقدرة على الوحدة في مواجهة التهديدات الخارجية، والاعتماد على الذات في ظل العقوبات، كلها عوامل تُسهم في قدرة إيران على مواصلة القتال وعدم الانكسار السريع، حتى أمام قوة عظمى.
النتائج والتداعيات الاستراتيجية
تُشير النتائج التي توصلنا إليها إلى عدة نقاط حاسمة. هناك فشل في استراتيجية الشلل السريع؛ فبرغم التفوق التكنولوجي والضربات الأولية المعلنة، لم تتمكن إسرائيل وحلفاؤها من شل قدرات إيران العسكرية والنووية بشكل كامل، مما يجعل أي انتصار سريع أو حاسم مستبعدًا. هناك أيضاً استمرارية للضغط الإيراني؛ فقدرة إيران على إيصال صواريخها يوميًا إلى تل أبيب، التي تُعتبر “الحصن المنيع” لإسرائيل، تُحدث تأثيرًا نفسيًا واقتصاديًا هائلًا على إسرائيل وحلفائها. هذه الكلفة البشرية والاقتصادية المستمرة غير مستدامة على المدى الطويل، وتُلقي بظلال من الشك على مصداقية الردع الإسرائيلي. هذا يجعل إيران تمتلك “اليد العليا” غير المتوقعة؛ فبرغم ضعفها الظاهري، فإن قدرتها على إلحاق الألم المستمر بالخصم تمنحها هذه اليد في الصراع، حيث لا يستطيع العدو تحقيق أهدافه بالكامل أو فرض إرادته.
يضاف إلى ذلك تأثير التلوث الإشعاعي كدرع؛ فالخوف من التلوث الإشعاعي المحتمل نتيجة تدمير المنشآت النووية الإيرانية يعمل كدرع غير مباشر لإيران. هذا الخطر يفرض قيودًا كبيرة على خيارات إسرائيل العسكرية، ويدفع الدول الإقليمية كالعراق ودول الخليج وباكستان وأفغانستان وأذربيجان وأرمينيا والمجتمع الدولي نحو تفضيل الحلول الدبلوماسية لتجنب كارثة بيئية وإنسانية عابرة للحدود. لهذا السبب، تزداد الدعوات لإنهاء الصراع دون منتصر حاسم؛ فنظرًا لأن المنتصر في هذا الصراع سيحظى باليد الطولى في المنطقة، فإن مصلحة المجتمع الدولي والإقليمي تكمن في إنهاء الصراع دون خروج منتصر حاسم. هذا سيمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي، ويحافظ على توازن القوى النسبي، ويفتح الباب أمام حلول دبلوماسية مستدامة بدلاً من الهيمنة المطلقة لأي طرف.
التدخل الإقليمي المحتمل: حماية المصالح الذاتية
تتجاوز المخاوف المتعلقة بالصراع الدائر بين إسرائيل وإيران مجرد التهديد العسكري المباشر، لتلامس أبعاداً بيئية ذات تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها. إن استمرار العمليات العسكرية، خاصة إذا أصرت إسرائيل على توجيه ضربات مكثفة وطويلة الأمد للمنشآت النووية الإيرانية التي يُزعم أنها تحتوي على مواد مشعة، يضع الدول الإقليمية المجاورة لإيران أمام تهديد وجودي مباشر. فخطر التلوث الإشعاعي المنبعث لا يقتصر على الأراضي الإيرانية، بل سيمتد ليطال كل من العراق، ودول الخليج، وباكستان، وأفغانستان، وأذربيجان، وأرمينيا، وغيرها من الدول القريبة. هذا السيناريو الكارثي، الذي يمكن أن يدمر البيئة، ويؤثر على صحة الملايين، ويعطل الحياة الاقتصادية لعقود، يجعل من التدخل العسكري من قبل هذه الدول الإقليمية لحماية إيران، ليس لدعمها السياسي بالضرورة، بل لحماية مصالحها الذاتية وشعوبها من خطر الإشعاع الكارثي، احتمالاً وارداً. فالحفاظ على سلامة المنشآت النووية، حتى لو كانت ضمن برنامج نووي مثير للجدل، يصبح أولوية قصوى لضمان عدم تعرض المنطقة بأكملها لكارثة بيئية غير مسبوقة. هذا الواقع يتيح دفاعاً غير مباشر عن إيران وبرنامجها من خلال المصالح الحيوية للدول المجاورة.
خاتمة
يُظهر هذا البحث أن الصراع بين إسرائيل وإيران ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو حرب روايات ومعلومات معقدة. إن قدرة إيران على الصمود والرد، رغم الضربات المعلنة، وتداعيات الخطر الإشعاعي، تُلقي بظلال من الشك على دقة التصريحات الرسمية من جانب إسرائيل وحلفائها. يتجه الصراع نحو مرحلة استنزاف مكلفة، مما يجعل من الضروري للمجتمع الدولي والإقليمي التحرك نحو حل لا يُنتج منتصرًا مهيمنًا، حفاظًا على استقرار المنطقة ومستقبل شعوبها
زر الذهاب إلى الأعلى