الرئيسيةالمقالات

لعبة السلطة في العراق: اليأس كأداة بقاء للمنظومة

لعبة السلطة في العراق: اليأس كأداة بقاء للمنظومة

بقلم/ عدنان صگر الخليفه

بغداد، العراق – (28 مايو 2025) – في المشهد السياسي العراقي المعقد، تبرز شخصيات تُجيد فن الموازنة الصعبة للوصول إلى الحكم. أحدهم، نائب برلماني ومحافظ سابق منذ عام 2003، يقود تحالفًا يرفع شعارات “المدنية” و”الثورية”، لكنه يفتقر لقاعدة جماهيرية حقيقية. يعتمد هذا السياسي على ترويج ذاتي مُتقن لتقديم نفسه كخيار توافقي.
تتضمن استراتيجيته رسم صورة متعددة الأوجه: يُبرز علاقاته الشخصية ودعمه المزعوم من الولايات المتحدة مثل حضوره حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب، بينما يسعى لإسترضاء إيران بتصريحات تُشير إلى تعاونها مع العراق. أما خطابه الداخلي، فيُركز على وعود جذابة كتحسين الخدمات، مكافحة الفساد، وتنشيط الاقتصاد العام، رغم معرفته التامة بالعوائق الهيكلية.
إن هذا السياسي، كونه جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الحاكمة، يدرك تمامًا أن السلطة في العراق مُقيدة بـالمحاصصة السياسية التي تُشتت المسؤولية، وبـالمكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب النافذة التي تُغذي الفساد. وصوله إلى السلطة، أو أي طرف لا يمتلك أغلبية، يعتمد كليًا على التوافقات والتنازلات الكبيرة مع الكتل المهيمنة، مما يُقيد صلاحيات رئيس الوزراء ويُجبره على العمل ضمن الشروط المُسبقة التي تحافظ على مصالح تلك الأطراف.
لذا، فإن وعوده بالإصلاحات الجوهرية، بما فيها تحسين الاقتصاد، تصطدم بواقع هذه التنازلات الموقعة. الفساد يستمر كآلية عمل لضمان استقرار التحالفات، بينما تُصبح الأعذار جاهزة دائمًا لتبرير عدم التغيير، مثل “لم تكن هناك فسحة للعمل” أو “المكونات الأخرى لم تعطنا الفرصة”.
في نهاية المطاف، تُرسل هذه المنظومة السياسية رسالة قاسية ومقصودة إلى المواطن العراقي وإلى أي قوة وطنية تُحاول التغيير من الداخل: “لن تستطيعوا تغيير هذه المنظومة؛ فابقوا يائسين ومتفرقين.” هذه الرسالة ليست مجرد نتيجة للواقع، بل هي استراتيجية بقاء للكيانات المسيطرة. فبإماتة الأمل في التغيير الذاتي من خلال تكرار دورة الوعود الفارغة، وإظهار أن السلطة تُمنح عبر التوافقات لا الإرادة الشعبية، وإدامة المحاصصة والفساد، تدفع المنظومة المواطن نحو اليأس. وكأن لسان حالها يقول: “إياكِ أعني واسمعي يا جارة” – موجهة رسالة خفية إلى أي قوة وطنية تسعى لتوحيد الصفوف، بأن الشعب قد أُرهق ويُئس لدرجة تجعله غير قادر على الاستجابة لأي دعوة للتغيير من الداخل، وبالتالي تُحكم المنظومة قبضتها، وتُرسخ الاعتقاد بأن أي تغيير حقيقي، إن حدث، سيأتي من الخارج فقط، وسيكون مفروضًا على العراقيين، مما يُعيد إنتاج دورة الإحباط والعجز في المشهد السياسي العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار