الرئيسيةالمقالات

من بغداد اللامكان: القمة التي أعادت إنتاج الفشل

من بغداد اللامكان:
القمة التي أعادت إنتاج الفشل

علاء الطائي

في مشهد يبدو مستنسخًا من سجل القمم العربية السابقة انعقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد لتُثبت مرة أخرى أن لا استثنائية فيها ولا عودة للعاصمة العراقية كعاصمة للقرار العربي البيان الختامي جاء باهتًا والصور الجماعية براقة والواقع العربي يزداد هشاشةً وضعفًا هذه القمة لم تكن
“مميزة” ولا “قمة تحول”
كما رُوّج لها بل كانت نسخة رديئة من قِمم الإنكار العربي.

أولاً:
بذخ لا مبرر له
تجاوز حجم الإنفاق على القمة كل التصورات إنفاق خيالي على بروتوكولات فارغة مشاهد استعراضية تجميل سطحي وتكلف دون أي مردود عملي وكأن القمة مهرجان رسمي لا مناسبة سياسية عليا والمفارقة المؤلمة أن هذا التبذير يجري في وقت يُثنى فيه على “قمة الخليج” التي حضرها ترامب حيث وُعدت فيها واشنطن بتدفقات مالية تصل إلى 4 تريليونات دولار تحت أي مسمى كان وكان بمقدور “ربع هذا المبلغ فقط” أن يعالج كل التحديات التي جرى استعراضها بكلمات قمة بغداد من حصار غزة ولبنان إلى كارثة اليمن ومجاعة السودان وانهيار الصومال لكن بدل الذهاب إلى معالجة جذور الأزمات أو إنشاء صناديق تنموية حقيقية يُطرح مجددًا “وبكل خفة” خيار إنشاء صندوق عربي “للكدية” يُستجدى فيه الدعم ويُدار بمنطق الإحراج لا بمنطق السيادة والمصلحة المشتركة.

ثانياً:
ظاهرة الصوت المرتفع

ارتفعت الأصوات في العراق تبشر بقمة “فارقة” و”مميزة” كأن مجرد انعقادها إنجاز بحد ذاته قبل بدء القمة كُثرت الكلمات الباذخة والوعود الكبيرة لكن الواقع خذل التوقعات لتكون النتيجة مشهدًا محرجًا ومؤسفًا على الصعيدين الشكل والمضمون.

ثالثاً:
خلو القمة من التمثيل الحقيقي

رغم الضجيج الإعلامي الكبير لم يحضر القمة أي تمثيل عربي وازن على مستوى الرؤساء أو الملوك غابت الرموز الكبرى وحضرت الوفود بأعداد متواضعة مما يشير بوضوح إلى تراجع الثقل العراقي أو إلى عدم قناعة الدول العربية بجدوى وجدّية القمة.

رابعًا:
معيار النجاح ليس في الشكل

معيار نجاح القمة لا يكمن في بهرجة المشاهد أو عدد الحضور بل في ما ينتج عنها من مضامين حقيقية مخرجات عملية برامج تنفيذية تتحول فيها الكلمات إلى أفعال والخطابات إلى إنجازات ملموسة.
وللتذكير هذا هو سجل القمم العربية كما هو دون تزييف..

عدد القمم العادية منذ 1964: 32

القمم الطارئة: 12

القمم الاقتصادية: 4

عدد القرارات الصادرة: أكثر من 2000

نسبة القرارات المنفذة بالكامل: أقل من 10%

الحروب العربية – العربية: 7

الانقلابات العسكرية: أكثر من 30

الأنظمة التي سقطت منذ 2011: 5

تكلفة بعض القمم: من 5 إلى 50 مليون دولار

أما القمة الحالية؟
فالله وحده يعلم كم أُنفق فيها من أموال على البهرجة والبذخ.

إذا كانت لغة الأرقام لا تحتمل التأويل فإن هذا السجل يحتاج أكثر إلى وقفة ضمير منه إلى أي تحليل.

منذ قمة القاهرة الأولى عام 1964 وحتى اليوم ظلّت الشعارات أكبر من الأفعال والقرارات أسرع إلى الأدراج من التنفيذ والأوطان تنهار واحدة تلو الأخرى.

ما الذي حققته القمم؟

-لم تمنع حربًا أهلية.
-لم تُحرر أرضًا.
-لم تُنقذ شعبًا من الجوع أو القمع أو الغرق.
-لم تستعد هيبة العرب ولم تنل مظلومياتهم إنصافًا القمم العربية رغم ما تحمله من رمزية لم تُفلح في بناء جامعة عربية فاعلة بل تحوّلت إلى سلطة بروتوكولية تراقب الانهيار بصمت أو تشارك في تمويله حين تغيب الإرادات وتضعف الموازنات
والمضحك المبكي أن القمة تُعقد في بغداد بينما تنهال كلمات الشكر والتقدير من مسؤولي العرب على ترامب وقمة الخليج لا على من استضافهم أو حمل همّ عقد هذه القمة
باتت هذه القمم طقسًا موسميًا فاخرًا لا يختلف كثيرًا عن مهرجانات تُنقل مباشرة ثم يُطوى بيانها الختامي قبل أن يجفّ عليه الحبر.
وكما في كل مرة أعاد البيان الختامي إنتاج ثلاثية الشعارات المعتادة الحوار التضامن والتنمية وكأن الزمن لم يتحرك قيد أنملة منذ أول قمة لا جديد سوى تبدّل العواصم وبقاء المخرجات نسخة طبق الأصل من أرشيف القمم السابقة ومع ذلك لا تزال الفرصة قائمة إما أن تُعيد القمم تعريف نفسها وتُصغي لنبض الشارع العربي
أو تتحول رسميًا إلى حفل وداع طويل الأمد لشيء كان يُسمّى يومًا
“الإجماع العربي”.

علاء الطائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار