الرئيسيةالمقالات

لا نُبصر الكبار إلا بعد رحيلهم في ذكرى استشهاد عزالدين سليم

لا نُبصر الكبار إلا بعد رحيلهم
في ذكرى استشهاد عزالدين سليم

علاء الطائي

في العراق لا تشتد حرارة النحيب إلا حين يبرد الجسد لا ننتبه لنبض العقل إلا حين يتوقف ندفن مفكرينا في تراب مزدحم بالحسرة ثم نُشيّعهم ببيانات جوفاء ونُزيّن ذكراهم بصورٍ غارقة في المجاملات لكننا لا نحرسهم وهم على قيد الفكرة ولا نمنحهم حقّ الحياة وهم يكتبون مستقبلنا بدم القلب.

في ذكرى استشهاد عزالدين سليم لا نرثي شخصًا بل نرثي أمةً فقدت بوصلتها الفكرية والأخلاقية أبو ياسين كما كان يُحب أن يُكنّى لم يكن مجرّد اسم في دفتر الشهداء بل مشروعًا حضاريًا رجل دولة نقيًا في زمنٍ مُثقلٍ بالملوثين صوتًا وطنيًا وسط ضجيج الطائفية وبوصلة فكرية وسط عواصف الانتهازية.

لم يكن يتكلم ليملأ الفراغ بل ليُنقذ هذا البلد من فراغه كتب.. ونظّر.. وانتقد وتحمّل السهام قبل أن يخترقه الرصاص تحدث عن الفيدرالية يوم كان الجميع يتهمه بالتقسيم فإذا بالعراق اليوم يتفتت بين أيدي من لم يفهموا المعنى ولا قرأوا المسودة

إن استشهاد عزالدين سليم لا يُجسّد فقط مأساة غياب الكبار بل فضيحة أمةٍ لا تعرف عظمة رجالها إلا بعد فوات الأوان كيف تُقتل النخبة ولا تهتزّ عروش الجهل؟
كيف يُغتال المفكرون فلا تُعلن الطوارئ في وزارات الثقافة والتعليم والسياسة؟

كم مرة خُذِلْنَا المفكرين وهم بيننا؟
كم مرة تركنا القيم وحدها في مواجهة الرصاص؟
ما جدوى الكلمات حين يسبقها الصمت؟
وما جدوى الحزن حين يتأخر عن الفعل؟

لقد غادرنا أبو ياسين لا لأنه مات بل لأننا خَذَلْناه ترك خلفهُ كُتبًا لم تُقرأ رؤى لم تُطبق ومشروعًا سياسيًا لم يُحتضن كان يرى العراق من علٍ يتحدث عن وطن يسع الجميع عن الدولة لا الطائفة عن الأخلاق لا المكاسب فاغتالوه ليبقى الوطن بلا مرآة.

أيها العراقيون لا تصالحوا مع النسيان لا تُشيّعوا شهداء الفكر كما تُشيّعون سواهم اجعلوا ذكراهم مناسبة للعودة إلى المشروع إلى القيم إلى الجذور. دعونا لا نكتفي بالبكاء بل نبني مؤسسات تُنقذ ما تبقّى من الروح.

فلا نُبصر الكبار إلا بعد رحيلهم… ولا نُشفى من الجرح إلا إذا أدركنا من طعننا أولًا..
-جحودُنا
-وصمتُنا
-وخوفُنا من القامة حين تمشي بين الأقزام.
رحم الله عزالدين سليم رجلًا لم تلوثه السلطة ولم تكسره المؤامرة فظلّ حيًا بفكره حاضرًا في غيابه.

علاء الطائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار